img
img

الحرية المطلقة,,, الشعار الخادع

img
منَصَّة المَرْأَة المُسْلِمَة

الحرية المطلقة,,, الشعار الخادع

الشعارات عادة ما تكون كلمة جامعة تلخص أهدافا أو توجه رسالة مختصرة وراءها قيم وأفكار، وعادة ما يتم تكثيفها في عبارة جذابة وجملة لها بيان وفيها جمال .

ويختار الشعار عادة من قبل أصحابه ليكون له أثره على المتلقي بحيث يلامس فيه جوانب فكرية أو عاطفية أو أحيانا احتياجا ماديا أو معنويا، وربما يربطه بقضية مهمة بالنسبة له أو لعله يذكره بمقدسات ومباديء متصلة بهويته .

الشعارات إذن تتنوع وتتعدد، مرسلوها فئات مختلفة،،، تجار، إعلاميون، مناضلون، مفكرون، مبدعون، سياسيون،،،، وفي هؤلاء الصادقون المخلصون، وفيهم أيضا المدعون الكذابون .

هناك شعارات طيبة وأخرى خبيثة، شعارات فيها خير وصلاح وأخرى فيها فساد وإفساد، هدفها الهدم والخراب وهناك شعارات خادعة براقة تسقيك السم في العسل من حيث لا تدري أن السم في العسل تقوم على التدليس وتسير على خطى إبليس تستهدف هوية الأمة وهدم أركانها وتقويض بنيانها.

وفي عالمنا اليوم ارتفع معدل ضخ الشعارات وكثر رافعوها وتعدد كاتبوها، وقد ساعد في انتشارها كثرة وسائل الإعلام ونحن إذا وقفنا معها وقفة عادلة منصفة وأبحرنا في أبعادها وأدرك مرادها وفهمنا أجندات أصحابها ،، وجدنا أكثرها تزين الباطل وتجمل القبيح، ترفع الوضيع وتبخس الرفيع، تجعل الخبث نقاء والماء الأجاج عذبا زلالا .

ولا شك أنه علينا أن نكون متبصرين مستبصرين ندرك خطورة ما يمر بنا من أفكار وما يصدر إلينا من قيم ومثل حتى لا تخدعنا الشعارات البراقة .

ولعلي في هذا المقال أقدم عرضا مقتضبا عن أحدى هذه الشعارات وخطورته على أوطاننا ودوره في زعزعة استقراره وزلزلة قيمه النبيلة ، ذالكم هو شعار: الحرية المطلقة .

شعار الحرية المطلقة ...

وقد أرتفع لواءه في الغرب بعد مرحلة تاريخية مظلمة من القهر والظلم والاستبداد سيطر فيها حكامهم على مقدرات شعوبهم وساندت فيه الكنيسة جورهم واعتبرتهم حاكمين باسم الله،  فساد الجهل وعم الظلم وانتشر الفساد، حتى ثأرت شعوبهم على تلك الأنظمة الجائرة وتحرروا من ربقتها واستحدثوا أنظمة للحكم فيها حرية اختيار الحاكم ووضع حدود لصلاحياته وبناء دول ذات مؤسسات يخضع فها الفرد والمسؤول للقانون .

ولا شك أن ما وصلوا إليه فيه جوانب خير لا تنكر،  لكن هناك جوانب أخرى تشكل شرخا كبيرا في مجتمعاتهم ومنها اعتمادهم فلسفة الحرية المطلقة والمبالغة في الحرية الفردية حتى أصبح لكل فرد الحق أن يفعل ما يشاء كما يشاء وبالطريقة التي يشاء ما دام لا يخالف القوانين التي سنوها وهي قوانين أبعدت الدين وكثيرا من القيم عن مساقاتها فجعلت من يخضعون لها لا يبالون بقيم ولا مثل يغدون ويروحون بين متع وشهوات تبأها الفطرة السليمة ,,

وبالتالي لا حدود دينية ولا أعراف اجتماعية تضبط الفرد، كل ما يضبطه قوانين وضعها أربابها تحت تأثير كثير من الفلسفات التحررية التي لا تراعي القيم والمثل ولا تقيم وزنا لكثير من الفضائل بل تضرب بها عرض الحائط وتراها معوقا حضاريا ونهضويا .

فباسم الحرية الشخصية تذبح الفضيلة وتعاقرالخمور وينتشر العري ويدعى إلى الإباحية ويفلسف لها، باسم الحرية الفردية يهدم كيان الأسرة،  فالأب ليس له سلطة على أولاده ولهم حرية التصرف عندما يبلغون الثامنة عشرة ربيعا، يفعلون ما يشاءون، يذهبون حيث يريدون، يغدون ويروحون كما يحلو لهم .

والنتيجة انهيار المؤسسات الاجتماعية وعلى رأسها مؤسسة الأسرة وانحراف الإنسان عن طبيعته السوية،  تضخم الأنا والسير وراء المتع الرخيصة والانجراف في تيار الشهوات التي تشتعل وتحرق صاحبها معها .

النتيجة من طغيان الحرية الفردية هو ما نراه اليوم في هاتيك المجتمعات من انتشار الفواحش وتفكك الأسر والمجاهرة بالشذوذ وعقوق الأبناء وتخلي الأباء عن مسؤولياتهم وانقطاع العلاقات بين الأقارب والجيران .

النتيجة طغيان مادي وتضخم أناني وأنكفأ الإنسان على ذاته حتى أصبح كل فرد كأنه يعيش في زوايا من العزلة مؤثرا نفسه على الآخرين ساعيا إلى مصلحته قاطعا صلته بربه، ساعيا في طرق الغي، ناهلا من بحر المتعة  والشهوة حد لا اكتفاء له .

فلا نستغرب أن يشعر الإنسان بالضياع وبقسوة الحياة رغم ما هو فيه من ترف مادي وربما فكري .

لكن الخواء الروحي والخلل النفسي الذي قوامه انعدام التوازن بين متطلبات الإنسان واحتياجاته لتغليب جانب على جوانب أخرى، ونبذ الدين والقيم الأخلاقية وانتكاس الفطرة،  كل ذلك لا يفضي إلا إلى الشعور بالخوف والتعاسة والضياع والتشتت .

فلا غرو أننا نجد في هاتيك المجتمعات ارتفاعا لمعدلات الانتحار وانتشارا للكآبة والأمراض النفسية المستعصية .

والمشكلة أن هذه الشعارات وما وراءها من  فلسفة وأفكار، بل أقوال و أحندات عالمية تبغي الربح المادي ولو على حساب القيم والأخلاق،،، المشكلة أن هذه الشعارات تصدر إلينا وتنشر بين أجيالنا، بل أقول إنها تغزونا وتسري في مرافقنا العلمية والثقافية والإعلامية .

وفي ظل انتشار وسائل الإعلام وتعددها وكثرة متابعيها فإن التأثير يتضاعف خاصة عندما تصدر ممن يلمعونهم على الشاشات ويوسمونهم بوسام الفكر والإبداع ويظهرونهم كنجوم وأعلام .

فيروجونها عبر أصحاب الشهرة الذين تسلط عليهم الأضواء ويحتفى بهم

وتلاقي هذه الأفكار صداها عند تلك الأنية الفارغة من أبناءنا الذين لديهم خواء إيماني وفكري.

ولا شك أنه أحيانا بعض البيئات التي تتشدد على أبنائها وتمارس عليهم كبتا وتضيقا وتمنع عنهم كل انفتاح ولو كان طيبا ، ثم تضعهم في أطر ضيقة وتحول مجتمعاتهم إلى بيئات منغلقة على نفسها .

لا شك أن هذه التنشيئة وتلك البيئات ونتيجة كل تلك الضغوط قد يمارس أبناؤها رد فعل سلبي يجعلهم ينطلقون إلى آفاق من الحرية المطلقة ويتركون وراءهم ظهريا كل القيم التي تربوا عليها سواء كانت إيجابية أم سلبية، وينساقون وراء هذه الشعارات التي يرون أنها تعطيهم متنفسا لتعبير عن أنفسهم والانطلاق بحرية دون رقيب أو حسيب متجاهلين خطورة ما هم مقدمين عليهم وما يمكن أن يصلوا إليه من انحراف على الطريق السوي وضلال عن طريق الحق .

ولو أننا فهمنا ديننا فهمنا عميقا وربينا أجيالنا تربية متوازنة  تجمع بين المناعة والمنع، بين الترغيب والترهيب، ويتم فيها غرس القيم الإيمانية بالإقناع والحوار، وخلق توازن بين الانغلاق والانفتاح مع فهم للضوابط الشرعية ووعي بأحكام الإسلام وفهم لغاياته ومقاصده مع تعليم عميق لمبادئه وتبين لمحاسنه، ووضع آليات وقاية وتحصين في مجتمعاتنا .

لو أننا فعلنا كل ذلك لما وصلنا إلى ما صلنا إليه اليوم من السير وراء كل ناعق والانقياد لكل شعار أخرق، وصدق الشاعر حين قال :-

إنا ذهبنا إلى الغرب نقتبس من نوره فأصابتنا شظاياه

وديننا الحنيف هو دين الحرية، الحرية الحقيقية المنضبطة التي توازن بين الاستقلالية الفردية وبين مرعاة القيم الحماعية، وتخلق توازنا فريدا بين احتياجات الإنسان المادية والمعنوية، فتسمو بالروح وتزكو بالنفس، ترقى بالعقل وتهذب الوجدان، تعتني بالقلب ولا تهمل الجسد، مما يعطي الإنسان المسلم أفقا عاليا للتحليق والانطلاق دون مفسدة أو إفساد .

وقوام الحرية في الإسلام وأسها يقوم على العبودية لله تعالى، فتوحيد الله عز وجل يجعل الإنسان حرا حرية حقيقية، وينال السعادة في الدارين

 فالعبودية لله عز وجل ينطلق الإنسان المسلم محلقا،،، غاية وطموحا، ويسمو في الآفاق تفكرا وتدبرا، رافضا أي هيمنة على فكره أو قلبه فهو قد تحرر من الأوهام والأساطير، والخرفات والتصورات التي تجعل للمظاهر الكونية سطوة على الإنسان، كما أن هذا الدين يحرر المسلم من التبعية للتقاليد البالية والعادات الضارة التي تسبب التلف لجسمه وتشوه روحه وقلبه .

ويحرر الإسلام الإنسان المسلم من العبودية للبشر ويحذر من الخضوع والانقياد لهم وأتباع آرائهم دون علم ولا هدى ولا كتاب منير .

إن ذلك التغير العميق الذي قاده الإسلام على المفاهيم والتصورات وذلك التعليم المميز الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام صنع مجتمعا كريما من الرجال والنساء، واعي برسالته في الحياة عارف لرسالة ربه فاهم لمعنى الاستخلاف في الأرض، محققا لمعاني العبودية الحقة لله تعالى التي حررتهم من ربقة التقاليد البالية والعادات المتخلفة والتبعية البغيضة والعصبية المقيتة .

هؤلاء الذين انطلقوا من فهمهم لدينهم وانضبطوا بشرعه واحترموا حدوده، هم من نشروا الحرية الحقيقية وفكوا الناس من الأغلال التي كانت عليهم، وها هو الربعي بن عامر يلخص رسالة الإسلام  لقائد الفرس فإذا هي رسالة تحرر وتحرير، فيقول: ( إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ) . 

 

زهرة سليمان أوشن

تعليقات

الكلمات الدلالية