img
img

الحداثيون وآراءهم في السيرة النبوية

img
منصة مفكر

الحداثيون وآراءهم في السيرة النبوية

المقدمة:

رسول الله ﷺ من أعظم الشخصيات التي عرفها التاريخ وأنبل قائد وأعظم أسوة حسنة للبشرية جمعاء صالحهم وطالحهم، فهو  خير النبيين أرسله الله للبشر هادياً ونذيراً وسراجً منيراً، وهو نبي الرحمة والشفقة للأمم أجمعين، "قال تعالى في كتابه العظيم: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[1]."

وحتى تتحقق هذه الأسوة في حياة المسلمين واقعاً حقيقياً، اعتنى المسلمون منذ العصر الأول بتدوين سيرته ﷺ وجمعوا أفعاله وأقواله وطبقوها في حياتهم فأنتجت خلقاً طيباً وسلوكاً عظيماً عند مجتمعات المسلمين من قبل، فسادوا الدنيا وأقاموا العدل.

أما السيرة النبوية فأغنت الشريعة الإسلامية فكانت أمة النبي ﷺ خير أمة أخرجت للناس، وبعدها اعتنى الصحابة برواية أخبار النبي ﷺ وتعليم أبناءهم مغازيه والتي بدأت بشكل شفوي، ثم ما لبثت أن أصبحت علماً مستقلاً له مؤلفاته وخصائصه.

فالسيرة النبوية هي التطبيق العملي والتفسير الواقعي لهذا الدين، وهي التي تفسر وتبيّن القرآن، وتوضح أسباب النزول وملابسات الأحداث.

ثم امتدت الكتابة في السيرة إلى يومنا هذا فوقعت بأيدي حاقدين استشعروا أهميتها وأصالتها، فجندت نفسها للتشكيك والطعن بهذه الأحداث، ناظرين إلى شخصية النبي ﷺ على أنها شخصية بشرية مجردة من صفات النبوة، وفق منهج حداثي استشراقي تغريبي، مسقطة أفكارها ومنهجها على هذه السيرة فالنبي ﷺ بنظرهم فقير يتيم ليس ذو مكانة يعاني الجوع والنقص وغيرها من الأمور التي سنتناولها في هذا البحث معلقين على آرائهم مستخلصين نتائج قيّمة من هذا البحث وبالله التوفيق.

 

أهمية البحث:

حاول الباحث انتقاء بحث ذو أهمية واقعية بعيداً عن الخلافات الداخلية لذلك نجد أهمية البحث تكمن في:

1-  تسليط الضوء على آراء الحداثيين في دراستهم للسيرة النبوية وقراءتهم الجديدة للأحداث خارج الحقل الديني الذي سار عليه علماءنا ضمن ثوابت ومناهج.

2- تظهر هذه الدراسة تأثير آراء الحداثيين والمستشرقين على مفاهيم الدين والوحي وما تضمنته أحداث السيرة وتأثيرهم على المجتمعات من خلالها.

3-  التهاون في هذا الموضوع والتساهل فيه تعود بجوانب من الفساد على الفكر الإسلامي وعلى رموزه، بالإضافة إلى ضياع وتشتت المسلمين لاتباعهم مناهج الغربيين غير الثابتة حيث ينبني عليه مفسدة عظيمة.

 

أهداف البحث:

حاول الباحث الوصول لأهداف ملموسة في هذا البحث وظهرت بعض الأهداف المركزية مجملها:

1- التعرف على الحداثيين ومنهجهم وسيرتهم

2- تسليط الضوء على أهمية السيرة النبوية ومركزيتها في الدين الإسلامي.

3- التعرف على آراء الحداثيين في السيرة وكلامهم عنها

4- التعرف على أقوالهم في ذات النبي ﷺ.

5- التعرف على خطورة هذه المناهج وضررها والتحذير منها.

 

الدراسات السابقة:

بعد البحث الذي قام به الباحث توصل إلى دراسات مقاربة وشاملة في النبوة بشكل عام نجمل منها:

1- النبوة في الفكر الحداثي، عمر شعباني،2019: هدفت الدراسة لتناول السيرة النبوية للحداثيين من خلال فكر أحد أعلامهم هشام جعيط.

2- المشروعات الحداثيّة لقراءة السُّنَّة النبويّة، الحارث فخري عبد الله، مجلد 26 عدد 101، (2021): تناولت قراءة الحداثيين للسنة النبوية من خلال أدبياتهم وكتبهم مستخلصاً ممارساتهم النقدية في ذلك.

 

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث وخروج الباحث لها في تزييف أحداث السيرة النبوية من خلال تحليل الحداثيين لها، وتشويه رموز الأمة والتشكيك بأصالتها وأخبارها ومدى مصداقيتها، كما تكمن المشكلة في تأثر الكثير بآرائهم والانقياد لها.

 

منهج البحث:

اتبع الباحث في هذا البحث على المنهج الوصفي حيث قمت بتتبع أفكار أشهر الحداثيين ثم عرض هذه الآراء وفق ما كتبوه في السيرة النبوية، كما تطرقت للمنهج النقدي للآراء التي عرضتها لهم وفق الكتاب والسنة.

 

خطة البحث:
جاءت خطة البحث على مقدمة وثلاث فصول وخاتمة، فما تضمنته الفصول:


الفصل الأول: فيتضمن المباحث التالية:
1- المبحث الأول: تعريف الحداثة.
2- المبحث الثاني: تاريخ الحداثة ونشأتها.

الفصل الثاني: وتضمن:
1- أبرز أعلام الحداثيين العرب.
2- مصادر الحداثيين في السيرة النبوية.

الفصل الثالث: وتضمن:
1- جملة من آراء الحداثيين في السيرة النبوية.
الخاتمة: تضمنت أهم نتائج البحث وتوصياته.
 

الفصل الأول: مفهوم الحداثة والحداثيين

يتم في هذا البحث دراسة مفهوم الحداثة لغة واصطلاحاً، ويتم التطرق فيه لمعنى هذا المفهوم وانتشاره كون هذا المفهوم من المفاهيم المشكلة التي أثارت جدل واسع، ويتم التطرق لتوسع هذا الفكر ونشأته وأصوله، مع التطرق لأسسه التي قام عليها.

 

المبحث الأول: تعريف الحداثة.

لابد في كل بحث التطرق لمفهومه ومعناه ليتعرف القارئ على المعنى المدروس في هذا البحث ولا يلتبس عليه المصطلحات كونها من المصطلحات التي تنال معاني مختلفة.

الحداثة لغة:

الحداثة في وهلتها الأولى للناظر تبدو معناً جميل من حيث اللغة، فقد جاء في معجم لسان العرب: "الحديث نقيض القديم، والحدوث: نقيض القدمة حدث الشيء يحدث حدوثاً وحداثةً، وأحدثه هو، فهو محدث وحديث وكذلك استحدثه"[1].

فهنا عند ابن منظور يعبر على معناه اللغوي كونه جديد بعد قدم.

وجاء عند الفراهيدي تحت مادة حدث: "يقال صار فلان أحدوثة كثروا فيه الأحاديث، وشاب حدث وشابة حدثة: فتية في السن، والحديث الجديد من الأشياء."[2]

عبر الفراهيدي هنا عن معنيين لغويين للمصطلح الأول من الحديث والثاني من الحداثة أي التجديد بعد القديم.

فمعاجم اللغة لا تخرج من هذين المعنيين (الخبر-الجديد) والذي يعبر عنه المعنى اللغوي في هذا البحث هو المعنى الأول وهو الجديد بعد قديم أو التحديث للشيء بعد قدم.

جاء في "الحديث الشريف عن أنس عن النبي: ((أناس حديثة أسنانهم)).[3]

هنا في السنة أتت بمعنى صغار، والذي يتضح أن كلها تدور حول الجديد فالصغار كبروا من جديد وأصبح حديث عهد برجولة والله أعلم.

 

الحداثة اصطلاحاً:

الحداثة في الاصطلاح تنوعت تعريفاتها ومقاصدها وفقاً للواقع التي تعمل فيه، فهي اتجاه فكري يعمل على تحرير الناس من كل موروث قديم، وأعادتهم إلى قراءة كل شيء وفق نظرة جديدة تناسب الواقع والمناهج العلمية والعلم المعاصر.

"فالحداثة لفظة تدل اليوم على مذهب فكري جديد يحمل جذوره وأصوله من الغرب، بعيداً عن حياة المسلمين، بعيداً عن حقيقة دينهم، ونهج حياتهم في ظلال الإيمان، والخشوع للخالق الرحمن".[4]

قال كمال أبو ديب: "الحداثة رفض لما هو قائم الآن وبحث عن بديل له، أي أن كل بحث عن بديل يصبح تعبيراً عن روح الحداثة"[5]

وهذا التعريف يعبر عن رفض الموروث وتغييره لما هو عليه اليوم من فكر غربي.

أما الحداثة عند "منير شفيق: هو ما عليه الغرب خصوصاً وأمريكا الآن. الأمر الذي يجعل محاولة إبعاد الإشكال الحضاري وخصوصية الهوية والثقافة عن موضوع الحداثة تمويهاً لفظياً... فالحداثة المنشودة من قبل هؤلاء هي الحضارة الغربية في طبيعتها الراهنة أو قل طبيعتها الأمريكية..."

 

وبعد تتبع الكثير من التعاريف التي لا يسع البحث جمعها يتبين أن الحداثة في مفهومها العام هي عبارة عن نقض لما هو موروث من دين وعرف وعادات ونمط حياة وتاريخ مديد، واستبدالها بما هو عليه الغرب اليوم وتغيير نمط التفكير العقلي لدى الشعوب لجعل العالم عبارة عن قرية صغيرة تديره أنظمة عالمية وفق منهجها التفكيري والله أعلم.


 

المبحث الثاني: تاريخ الحداثة ونشأتها.

الحداثة منهج فكري جديد ظهر في أوساط أوربا امتداداً لحالتها الفكرية التي عاشوها منذ عصر الرومان واليونان الذي كان يحمل الكثير من التيه والضياع وسوء حكامهم وحكمائهم، والذي انعكس على واقعهم فأفرز حالة من التمرد على الماضي والتراث الذي شوهوه رؤساءهم وقساوستهم، وهذا التمرد امتداد لتمردات سابقة عاشها الغرب من قبل على كل ما مورس عليهم من قبل.

يقول النحوي: "لم يبق شيء في حياة الإنسان الغربي لم يعشقه ثم يكفر به، عشق التقليد للوثنية ثم نقم عليها وكفر بها، عشق الكنيسة ثم كفر بها، عشق الطبيعة ثم هجرها وعشق الواقع ففر منه مذعوراً، ودخل التيه المظلم وكفر بالله كفراً صريحاً، وحمل المادية التاريخية والجدلية وبدأ يكفر بها، عشق الحرية والإخاء والمساواة دعوة طلاء وغشاوة، حتى جاءت الوجودية فأزالت الطلاء والغشاوة وجعلت الحرية فوضى والالتزام تفلتاً والإيمان كفر".[6]

فأصل منشأ الفكر الحداثي هو الغرب الذي انتقل بدوره إلى العرب حاملاً معه رواسب التيه والغموض والتي تلقفها الكثير من المفكرين الذين لم يدرسوا تاريخ هذه الأفكار ظانين أن النجاة هو ما عليه الغرب اليوم.

أما عن تاريخ هذا الفكر فلم يتفق النقاد على تاريخ محدد للحداثة عند نشوئها وفي تحديد مكان انبعاثها، يقول علي رضا النحوي: "رأى بعضهم أنها بدأت عام 1330م في باريس ورأى بعضهم أنها ابتدأت مع إميل زولا في كابه الرواية التجريبية 1880م بعضهم يعتبر مؤسسها بودلير، ويعتبر سيرل كونلي أن فرنسا عي مهد الحداثة الأنكلو أمريكية، فمنها انتقلت إلى انكاترا ثم ازدهرت في أمريكا".[7]

أما البعض مثل أدونيس عاد بالحداثة إلى الوراء وحدد بداية ظهورها منذ ظهور الخلافة الأموية حيث يقول: "الحداثة بدأت سياسياً بتأسيس الدولة الأموية وبدأت فكرياً بحركة التأويل، فقد كانت الدولة الأموية نفطة الاصطدام الأولى بين الدين العربي والثقافة غير العربية".[8]

والذي يقوله القرني أن الجميع متفق على ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر ميلادي ولا يعني ظهورها من فراغ  بل هي من مفرزات الفكر الغربي.[9]

ظهرت الحداثة في الأدب الأوروبي مثل الأدب الكلاسيكي والرومنسي والواقعي والوجودي وغيرها حتى تأثر شعراء المهجر عند العرب بهذه المذاهب وضمنت عدد من أعلام الفكر الحداثي من أبرزهم جبران حتى قال عنه إحسان عباس: "جبران كان رومنطيقياً إلى أطراف أصابعه".[10]

دخلت الحداثة عند العرب أيضاً عن طريق البعثات الطلابية التي عادت من أوربا بفكر حداثي يحمل نظرة جديدة للدين فكان ضررها أشد من الحملات العسكرية التي قادها نابليون ومن أعلامهم رفاعة الطهطاوي وسلامة موسى وطه حسين ومحمد أراكون داعين إلى تحطيم الحضارة والتاريخ والالتحاق بأوروبا وحضارتها.

فمن هنا بدأت الحداثة عند العرب في مراحلها الأولى بالنيل من ثوابت الدين لزعزعة قناعة الناس وتشويه اليقين عندهم.[11]

الذي يظهر أنها مرت بعدة مراحل من بداية 1932م ونظمت بشل كبير بعد 1947م ثم بدأت تتنظم أكثر حتى أصبحت فكر قائم.


..................................................................................................................................

[1] محمد بن مكرم بن علي ابن منظور. لسان العرب. مح: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد. (بيروت: دار صادر، 1955م)، ص:131.
[2] ا أبو عبد الرحمن الخليل ابن أحمد لفراهيدي. كتاب العين. مح: مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي. (الأردن: دار مكتبة الهلال، د.ت)، 3/177.
[3] محمد بن إسماعيل البخاري. صحيح البخاري. (بيروت: دار ابن كثير، 2002م)، رقم (3147)
[4] عدنان علي رضا النحوي. الحداثة في منظور إيماني. (الرياض: دار النحوي للنشر والتوزيع، 1989م)، ص:21.
[5] كمال أبو ديب. الحداثة السلطة النص.(القاهرة: مجلة فصول، 1984م)، العدد: الثالث،4/35.
[6] النحوي. الحداثة في منظور إيماني. ص:25.
[7] النحوي. الحداثة في منظور إيماني. ص:32
[8] علي أحمد سعيد سبر أدونيس. الثابت والمتحول. (بيروت: دار المعرفة، 1978)، 3/9.
[9] عوض بن محمد القرني. الحداثة في ميزان الإسلام. (جدة: دار الأندلس الخضراء،2002م)، ص:27.
[10] إحسان عباس. فن الشعر. (بيروت: دار الثقافة، ط3، د.ت)، ص:51.
[11] هاشم صالح. المدخل إلى التنوير الأوروبي. (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2005م)، ص:9.



الفصل الثاني: أعلام ومصادر

المبحث الأول: أبرز الأعلام الحداثيين العرب.

المبحث الثاني: مصادر الحداثيين في السيرة النبوية.

 المبحث الأول: أبرز الأعلام الحداثيين العرب.

أثرت الحداثة الغربية على كثير من المجتمعات، متجاوزة المكان والثقافة والعقيدة عندهم، ومنها الأمة العربية الإسلامية فشغلت الخطاب الفكري عندهم وأخذت انبهار واسع عند الكثير، فكانت مرحلة صادمة للحضارات فيما بينها، فأقبلوا عليها متسارعين منبهرين بخطاباتها المعاصرة التنويرية غير مكترثين للحالة التي انبثقت منها هذه المنهجية الحداثية الغربية، فكانت أشبه بحالة تقليد عمياء للغرب، ولهذا نجد محمد محفوظ يقول: "إن عملية التحديث في التجربة العربية لا تتعدى التقليد الأبله، أو اللهاث الفارغ لأنموذج تحديثي يغايرنا في الظروف الاجتماعية والحضارية".[1]

فالحداثة عند العرب هي حالة من الغرب مقتبسين جوانبها وأصولها وفروعها، متسللة إلى عالمنا مع طاماتهم الأخلاقية، فتجد من يدعو للسفور ومنهم من يدعو لنبذ العربية ومنهم للدين وغيرها من الطامات مع استبدالها بالسيولة الغربية للأخلاق تحت شعار التجديد والنمو والتطور.

وفي بحثي هذا أحاول تسليط الضوء على أبرز أعلامهم ولا أحصيهم لعسر ذلك ولكن سأتطرق إلى أبرز رموزهم العربية على رأسهم:

أولاً: أدونيس

هو علي أحمد سعيد أسبر، مشهور باسم أدونيس المستعار، ولد في عام 1930م قرية قصابين التابعة لجبلة في سوريا ويرجع اسمه المستعار إلى اسطورة الفن الفينيقي أدونيس، متزوج وله ابنتان أرواد ونينار.[2]

"تلقى أدونيس في هذه البيئة علوم العربية وبرع في حفظ قصائد المتنبي وأبي تمام والشريف الرضي، وأتقن الإعراب وهو لما يزل في الثانية عشر.

درس في كتاب القرية وكانت الدروس تعطى تحت الشجر، ومكث في الكتاب حتى سنة 1944م وفي هذه الأثناء وقعت مفاجأة غيرت مجرى حياته بالكامل، فعشية استقلال سوريا 1944م أراد شكري القوتلي القيام بجولة في المناطق السورية للتعرف عليها وعندما علم الفتى أحمد إسبر بهذه الجولة قرر أن يكتب قصيدة ويلقيها أمام الرئيس السوري.

تمكن الفتى من أن يلقي القصيدة بين يدي الرئيس الذي أعجب بها الذي استدعاه وسأله عن أحواله وطلباته، فطلب منه أن يتعلم.

انتقل إلى اللاذقية سنة 1947م لمتابعة الثانوية، وهناك برز شاعراً وسياسياً.

نال درجة الدكتوراه في الآداب عام 1973م من جامعة القديس يوسف في لبنان عن أطروحته الثابت والمتحول الذي أثار الكثير من الجدل والنقد والاحتجاج."[3]

 

من أقواله أن الحداثة تتجاوز الدين والأخلاق والعرف كما يقول: "حين نقول تتجاوز الماضي فإننا نعني تحديداً تجاوز لتصورات معينة للماضي أو لفهم معين أو لبنى تعبيرية معينة أو لعلاقات معينة أو لمعايير وقيم معينة ولا يعني أننا ننفك وننفصل عنه كأنه أصبح عضو ميتاً زال وتلاشى عدا أن القول به جهل كامل." [4]

فهنا يحاول أن يبرر رفضه للماضي ويبرر قراءته للماضي من منظره على أنها قراء حديثة معاصرة لا ترفض كل الماضي بل بعض أحداثه فمثلاً عند تفسيره لأحداث السقيفة يصفها بانقسام ثلاثي بحسب العنصرية القبلية والدينية وعند وصفه للخلافة الأموية يصفها على أنها ليست المشروع الإسلامي الذي ينوب عن الأمة.

"ينطلق أدونيس من واقعة "السقيفة"، التي أعقبت وفاة الرسول ﷺ مباشرة، حيث ظهر خلاف بين المهاجرين والأنصار حول مت يخلف النبي في إدارة دفة الحكم. وفي نظره أخذ هذا الخلاف ثلاثة أشكال، الأول يستند إلى أولوية دينية خالصة وهو أحقية الأنصار لأنهم الأسبق للإيمان بالإسلام ونصرته، والثاني يستند إلى أولوية الدين والقبيلة معا وهو أحقية قريش لأنها عشيرة الرسول، والثالث يستند إلى أولوية قبلية ويقوم على تعدد الإمارة. ومن ثم نشأت سلطة الخلافة في مهد سياسي ـ ديني ـ قبلي .. وقدمها أصحابها على أنها مستمدة من الله .. وكما أن العصبية عنف باسم القبيلة، فقد أصبح الإجماع عنفا باسم الجماعة، والسلطة عنفا باسم الدين".

"وجاءت الخلافة الأموية لتسوغ ممارساتها على أساس أنها نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا"، وادعت أنها "الإمامة الكبرى" و"الأصل الجامع" ولذا فإن كل خروج عليها، هو خروج على الإسلام."[5]

 

ينتهي بأدونيس الطريق إلى رفض المضي والدين وأنهما سبب لعدم تطور العصر يقول حلمي القاعود: "إن أدونيس لا يتورع عن وصف ماضينا بالضياع في مختلف المجالات أو ما يسميه الأشكال ويبدأها بالشكل الديني أي الإسلامي إلى هذا الحد وصلت أفكار أدونيس بحيث صار إلغاء الماضي وإلغاء الحاضر مدخلاً ضرورياً لتأسيس العصر الجديد الذي يريده وهو عصر بلا إسلام".[6]

 

نجد في النهاية أن أدونيس سار على نهج غيره في رفض الدين والتعلق بالحضارة المعاصرة التي هي سبيل للخلاص من كل المشاكل.


ثانياً: محمود درويش

"محمود درويش هو شاعرٌ فلسطيني وعضو المجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وله دواوين شعرية مليئة بالمضامين الحداثية. ولد عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل.

اُعتُقِل محمود درويش من قبل السلطات الإسرائيلية مرارًا بدءًا من العام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي وذلك حتى عام 1972 حيث توجه إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة،  وانتقل بعدها لاجئًا إلى القاهرة حيث عمل في جريدة الاهرام في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية،  ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية".[7]

هذه لمحة عن حياته التي نجد فيها أنه شغل مناصب مهمة أما عن أقواله ومعتقداته فنجد أنه يقدس انتماءه للأرض أكثر من الدين لذلك يقدسها ويستهزئ بالدين حيث يقول في شعره:

يا نوح !

لا ترحل بنا

إن الممات هنا سلامة

إنّا جذور لا تعيش بغير أرض..

و لتكن أرضي قيامه !

فهنا عنده الموت في أرضه اعظم من الفتنة في الدين فيصور هذه الحالة على أن الوطن والموت فيه أغلى شيء.

 

يقول في شعر آخر له ان الله نائم عن فلسطين:

نامي

فعين الله نائمة .... وأسراب الشحارير

فهنا نجد في شعره تطاول على الله سبحانه وتعالى.

 

نجد في كثير من أشعار محمود درويش تأثر بالماركسية الإلحادية

ألو..

_أريد يسوع

_نعم! من أنت !

_أنا أحكي من" إسرائيل"

و في قدمي مسامير.. و إكليل

من الأشواك أحمله

فأي سبيل

أختار يا بن الله.. أي سبيل

أأكفر بالخلاص الحلو

أم أمشي؟

أم أمشيو أحتضرُ ؟

_أقول لكم أماما أيّها البشرُ!

نرى كيف يقول عن المسيح ابن الله وغيرها الكثير من الشعر الحداثي المرتبط بأفكارهم.

ثالثاً: محمد أركون

هو محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي مفكر وباحث وأكاديمي جزائري.

من أقواله: " لا يمكن لدولة عصرية اعتماد الإسلام كنظام حكم فالإسلام ليس بنظام حكم لا تاريخاً ولا عقائدياً، في العصر الأموي كان للإسلام الفضل الأكبر في بناء دولة لم تكن بالإسلامية حتى الخلافة العباسية كانت أقرب للحكم الملكي منها للإسلامي".[8]

نجد هنا عند اركون انحصار الدولة الإسلامية في المدينة بشكل نظري فقط.

فمشروع أركون مشروع يمثل نقد العقلية المسلمة واستبدالها بعقلية ونظام غربيين حيث يقول عن نفسه "أنا عضو كامل في التعليم الفرنسي منذ حوالي ثلاثين عاماً، وعلى هذا الصعيد فأنا مدرس علماني، يمارس العلمنة في تعليمه ودروسه وهذا يشكل لي نوعاً من الانتماء."[9]

هكذا نجد تشرب العلمانية عند أركون ذات الطابع الغربي وتشربها وممارسته لها والدعوة لها فكيف مثل هذا سيدعو إلى العودة للكتاب والسنة.

 

ومن أعلامهم عبد العزيز المقالح وصلاح عبد الصبور وغيرهم الكثير والله المعين.

أما عم أعلامهم الغربيين:

شارل بودليرالذي يعد مؤسس الحداثة بالعالم الغربي

مالا رامية شاعر فرنسي

الأديب مايكوفسكي[10]

 

المبحث الثاني: مصادر الحداثيين في السيرة النبوية.

 

السيرة النبوية الشباك الذي تطلعنا على حياة النبي ﷺ منذ ولادته إلى مماته، وما يميزها أنها تطبيق عملي حقيقي وواضح للتعاليم الإسلامية وتساعدنا أيضاً على فهم كتاب الله بشكل أوضح.

وبالمقارنة بين مصادرنا ومصادر الحداثيين نجد أن العلماء يعتمدون بالدرجة الأولى على "القرآن الكريم والسنة النبوية.

مثاله: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى."[11] كما أن السنة مليئة من أقوال وأفعال النبي ﷺ وأحداثه، ويعتمد علماء المسلمين أيضاً على كتب السير والمغازي التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي تشكلت في عهد عمر بن عبد العزيز وبأمره كتبت.[12]

أما عند الحداثيين فالبحث في مصادرهم أمر مهم لفهم الخلفية الفكرية للمنهج الحداثي في تناوله للسيرة النبوية.

فالحداثي عنده مشكلة كبيرة مع الدليل النقلي بشكل عام والنبوي بشكل خاص، فتراهم ينظرون إلى النص القرآني والنبوي على أنها قول بشر قابل للنقد ولا يخضع للغيب بل للحس والعقل. يقول حسن حنفي: "إن الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوره لأنه لا يعتمد إلا على صدق الخبر سنداً  أو متناً وكلاهما لا يثبتان إلا بالحس والعقل لشروط التواتر ... فالخبر وحده ليس حجة ولا يثبت شيئاً على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة".[13]

 

القراءة التي ينطلق منها الحداثيين قراءة تأويلية مستمدة من التجربة الغربية في فهم النصوص فلا تريد أن تستخرج اعتقادات بالنص بقدر ما تسعى لنقده.

ولهم مناهج كثيرة في قراءة النصوص كالمنهج التشكيكي والمنهج الانتقائي والعكسي والعلماني والمادي وغيره الكثير من المناهج التي يتبعوها في تفكيك النص النبوي.

والذي يظهر من أحوال الحداثيين بالنسبة لمصادرهم للسيرة ما يلي:

الرافض المشنّع عليها.

الناقد للنصوص مميز بين صحيحها وفاسدها.

قسم يركز على الشك في الأحداث ويشنع على أخبارها نظرياً وعملياً.[14]

الذي يظهر من منهجهم الاعتماد بشكل مباشر على التأويل العقلي والمنهج النقدي الغربي دون اعتبار لصلابة النص القرآني والنبوي الشريف.

كما سلكوا مسلك المعتزلة ووجدوه ملاذ آمن لهم لما فيه من إعمال العقل وما فيه من تجديد النص وإحياء التيار التجريبي العقلاني الفلسفي.

يوقل أحمد أمين" إن فرقة المعتزلة كانت أجرأ الفرق على تحليل أعمال الصحابة ونقدهم وإصدار الحكم عليهم".[15]

ومن مصادرهم الرئيسية الأخذ من الشيعة حيث يعتبرونهم المثال الأمثل لتأويل نصوص الدين حيث تبنوا كثير من نصوص الشيعة على الإسلام كالطعن في سلامة المصحف والنصوص النبوية والطعن بالصحابة وعهد الأمويين والكثير من الأمور ككتاب غدير خم والسنة والأدب.[16]


........................................................................................................................................

[1] محمد محفوظ. الإسلام والغرب وحوار المستقبل. (بيروت : المركز الثقافي العربي، 1998م)، ص:33.
[2] موقع وكيبيديا الحرة . أدونيس (شاعر). https://shortest.link/2jYS. الخميس 30 ديسمبر 2021.
[3] صقر أبو فخر. حوار مع ادونيس الطفولة الشعر المنفى. (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات، 2000م)، ص:196.
[4] أحمد أسبر أدونيس. كلام البدايات. (بيروت: دار الأدب، 1989م)، ص: 144.
 [5]أدونيس. الثابت والمتحول في الثقافة الإسلامية. https://24.ae/article/318142/ السبت 1 يناير 2022.
[6] حلمي محمد القاعود. الحداثة العربية المصطلح المفهوم. (د. م، دار الاعتصام، 1998م)، ص:30.
[7] ويكيبيديا الموسوعة الحرة .سيرة محمود درويش.  https://shortest.link/2qMa الخميس. 30 ديسمبر 2021.
[8] محمد بن أحمد العلي. الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية. ص: 824.
[9] محمد أركون. العلمنة والدين الإسلام المسيحية الغرب.  (بيروت: دار الساقي، ط4، د. ت)، ص:9.
[10] موسى عمر كيتا. الحداثة وأثرها في تعطيل مقاصد السنة. ص: 749. (بحث لم أجد له أي اسم لدار او جامعة) الرابط: https://shortest.link/2lFt
[11] [ الضحى: 6].
[12] مصطفى السباعي. السيرة النبوية دروس وعبر. (دمسق: المكتب الإسلامي، ط8، 1985)، ص:25.
[13] حسن حنفي. من العقيدة إلى الثورة المقدمات النظرية. (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر، 2000م)، ص:160.
[14] رياض بن حمد عبد الله العمري. مناهج المستشرقين ومواقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم عرض ونقد. (جدة: مركز التأصيل للدراسات والبحوث، 2015م )، 1/440.
[15] أحمد أمين. فجر الإسلام. (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012م)، ص:317.
[16] الحارث فخري عيسى عبد الله. الحداثة وموقفها من السنة النبوية. (القاهرة: دار السلام، 2010)، ص:87-90.



الفصل الثالث: بعض آراء الحداثيين في السيرة النبوية

 

كانت ولا تزال السيرة النبوية النتاج العملي للوصاية الربانية والأسوة الحسنة التي وصانا الله بها: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً".[1]

ولكي تتحقق الأسوة الحسنة اعتنى الصحابة بتعليم الناس مغازي وسيرة رسول رب العالمين ولكن لم يكن هناك تدوين لهذه السيرة حتى زمن عمر بن عبد العزيز كما بينت سابقاً.

ومن خلال هذا استغل الحداثيون هذا الحدث التاريخي طاعنين بالسيرة النبوية باعتبارها لم تدون إلا متأخراً، وأن التاريخ لا يمكن أن يحفظ تفاصيل الحدث يقول عبد المجيد الشرفي: "أنها لم تدون إلا في زمن متأخر عن زمن الأحداث التي ترويها وأنها تعكس تبعاً لذلك قراءة متأثرة بظروف واضعيها(ابن سعد،ابن إسحاق، ابن هشام، الطبري...) وبكل ما استجد في حياة المسلمين بعد وفاة الرسول، وخاصة في الفترة الفاصلة بين العهد النبوي وعهد التدوين... فلا يخفى أن الذاكرة الجماعية لا تستطيع الاحتفاظ بالعناصر الصحيحة في حياة بطل من الأبطال فتجعل منه إنموذجاً أصلياً".[2]

 

فالقول هنا عندهم بأن التدوين متأخر ومشكوك فيه أصلاً، فكيف سيبني هؤلاء معتقداتهم على شيء مشكوك فيه.

أما عن شخصية محمد ﷺ  فقال الحداثيون: أن النبي كان على دين قومه في شبابه مستدلين بأبحاث علم الاجتماع الإنساني، فالإنسان بطبيعته عنصر كسبي يقلد الآخرين، فيقول عنه عبد المجيد الشرفي: "لئن كان الوجدان الإسلامي يستنكف عموماً عن الإقرار بأنه كان على دين قومه في طفولته وشبابه، فإن قوانين الاجتماع الإنساني لا تفرض سوى هذا السلوك العادي التي تجعل الطفل مقلداً".[3]

فالنبي ﷺ لم يكن مشركاً يوماً ما، ولا عهد هذا منه أبداً كما يذكر ذلك علماء السير وغيرهم.

بل ذهب بعض الحداثيين على أن نبوته مكتسبة " قبل كل شيء يجب أن تعلم أن محمداً كان قبل النبوة خارجاً عن التقاليد الموروثة الكائنة عند قومه، لأنه كان ممن تغلب عقله الفطري على عقله المكتسب، وكل من كان كذلك كان مفكراً حر التفكير ولأن الإنسان لا يمنعه من التفكير في الأمور إلا العادات والتقاليد الموروثة بحيث لا يراه معقولاً إلا اذا وافقت تلك المعتقدات"

فعلل هنا كون النبي اكتسب النبوة عن طريق خروجه عن عادات وتقاليد قومه وخروجه عن نمط التفكير لهم.

بل أنكر الكثير منهم أحداث للسيرة بمجرد العقل فيقولون عن حديث قتل النبي ﷺ "لكعب بن الأشرف: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رسول الله ﷺ: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله.[4]

يتضح تماماً من الأحاديث أن الرسول الكريم قد أمر بالتصفية الجسدية للمعارضة الفكرية لله وهو أمر لا يمكن نسبته إلى المصطفى"[5]

 


ومن الصور في تحليلهم لأحداث السيرة نجد تحليلهم لحادثة الفيل التي شككوا فيها وحللوها على أنها مرض عام وصل للجيش: "لم يستطع أبرهة أن يدخل مكة، فما يرى أن فيله امتنع عن السير إليها وأن وباء الجدري فتك بالجيش فتكاً ذريعاً، فتقهقر من بقي فعزت القصة البثور إلى حجارة سماوية رمتها طير أبابيل حافل بالأسرار".[6]

 

ينكر الحداثيين ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل ويشككون في الأحداث وفقاً للدراسة والمنهج التاريخي حيث يقول هشام جعيط:"لم يولد محمد في رأي قبل سنة 580م أو بعدها وكل ماذكر لا يصمد أمام الفحص لسببين: هجمة أبرهة على العرب وقعت سنة 547م حسب النقوش ولا يوجد أي سبب لكي يولد محمد على أي حال عام الفيل وهذه إنما علامة زمنية لا أكثر".[7]

 

ومن أمثلة آراء الحداثيين والمستشرقين ما فسره وات[8]  بأن خروج النبي لحراء كان بسبب الحر، وأنه كان يجيد القراءة والكتابة لأنه كان تاجر ولا يعقل أن يكون التاجر لا يقرأ ولا يكتب وهذا لا يتصور في هذا الزمن.[9]

وفي لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع ورقة بن نوفل فعمم هذا اللقاء على جميع حياة النبي ﷺ وأنه كان يكرر الزيارات ويذهب إليه بين الحين والآخر فتعلم أشياء كثيرة منه.[10]

يشكك الحداثيون أيضاً في نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومكانتهم بين القبائل وفضيلتهم بين الناس فينكرون دور عبد المطلب وأنه ليس له مكانة وكذلك قصة جده هشام الذي هشم الثريد بل قالوا أن أباه لم يذكر بشيء وغيرها من الأشياء التي طالت كثير من الأحداث والأمور التي ينقلها المؤرخون عن نسبه.[11]

 

كذلك ساروا على المنهج التشكيكي في أحداث السيرة وفق الأمور العلمية المعاصرة منكرين زواج النبي بخديجة بهذا العمر وإنجابه لأولاده السبعة مثاله ما علقوا عليه في ذلك، بأنه إذا أنجبت ولداً في كل سنة فإنها تكون في الثامنة والأربعين من عمرها عند ولادة الأخير، وليس هذا مستحيلاً ولكنه غريب يثير القلق، وهو من الأمور القابلة، لأن تصبح فيما بعد معجزة.[12]

 

في ختام هذا الفصل نجد كيف سار المستشرقون في تناولهم للسيرة بين مشكك وطاعن لشخصه وبين منكر لكثير من الأحداث التي نقلها علماء السيرة طاعنين بأهم عنصر لدى المسلمين وهو السيرة النبوية متناولين الأحداث وفق مناهجهم التي تأثروا بها من الغرب وهي الدراسات التاريخية والاجتماعية والعلمية فنرى كيف أنكروا ولادة سبع أولاد للنبي من خديجة وكيف نفوا حادثة الفيل وولادته في ذلك العام وفق المنهج التاريخي وكيف عبروا عن تحليلهم لمكانة النبي وفق المعطيات الاجتماعية وكيف حللوا قضاية الصحابة على أنها قبلية لاختلافهم يوم السقيفة وفسروها تنوع الطبقات، ونجد المنهج الانكاري لكثير من الأحاديث في السيرة كأمر النبي بقتل المعارضين السياسيين والفكريين وغيرها.

فما هي الصورة التي يريدون إيصالها لنا بعد هذا؟!!

صورة وحيدة وهي التبعية الغربية وقراءة النص وفق مناهج الغرب الرديئة بعيداً عن الوحي وثبوت النص وربانيته، ليتزعزع إيمان الناس بعقيدتهم وتبعيتهم وقدوتهم الأولى محمد ﷺ. ولكن أين لهم هذا يقول الله: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".[13]


إعداد

أحمد منصور

Ahmet mansur

 

والحمد لله رب العالمين



[1] [الأحزاب: 21].
[2] عبد المجيد الشرفي. الإسلام بين الرسالة والتاريخ. (بيروت: دار الطليعة، ط2،2008م)، ص:17.
[3] الشرفي. الإسلام بين الرسالة والتاريخ. ص:31.
[4] البخاري. صحيح البخاري. 4/64.
[5] زكريا أزون. جناية البخاري: إنقاذ الدين من إمام المحدثين. (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2004م) ص: 62.
[6] إيميل درمنغ. الشخصية المحمدية السيرة والمسير. ت: عادل زعيتر، (مصر: الشعاع للنشر ،ط3،2005)، ص:38.
[7] هشام جعيط. السيرة النبوية -2- تاريخ الدعوة المحمدية في مكة. (بيروت: دار الطليعة، 2003)، ص:143.
[8] مونتجمري وات. مستشرق بريطاني عمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية والتاريخ الإسلامي في جامعة إدنبرة في إدنبرة-اسكتلندا. من أشهر كتبه كتاب محمد في مكة. https://shortest.link/2lXJ . الأحد 2يناير 2022.
[9] فؤاد عبد المنعم. افتراءات المستشرقين على أصول الإسلام. (د.م. العبيكان، 2000)، ص:206.
[10] عبد العظيم الديب. المستشرقون والتراث. ص: 37-38.
[11] جعيط. السيرة النبوية -2- تاريخ الدعوة المحمدية في مكة. (بيروت: دار الطليعة، 2003)، ص:145-147.
[12] وليم مونتغمري. محمد في مكة. (بيروت: المكتبة العصرية، 1952). ص: 57.
[13] [الصف: 8].

تعليقات

الكلمات الدلالية