img
img

حركة النهضة التونسية: مراجعات شاب من داخل التنظيم

img
منصة أفق السياسة

حركة النهضة التونسية: مراجعات شاب من داخل التنظيم

أيمن عبيد 

كاتب وناشط سياسي تونسي



فضلا عن الواقع الذي يطلب ذلك بإلحاح في تونس وفي المنطقة العربية عموما، فإن مرتكزنا المعرفي في الدفع من داخل حركتنا في اتجاه المراجعات الجذرية والتقييم العميق، مرتكزٌ صلب ومتماسك بحول الله تعالى. وهو نهج قد أسّست له منذ أواخر الثمانينات كوكبة نيّرة من قيادات العمل الاسلامي -حول العالم- تنظيرا وتنظيما، لعلّ أولهم/أهمهم على سبيل الذكر لا الحصر؛ د.عبد الله النفيسي، الشيخ حسن الترابي، د. توفيق الشاوي، د. محمد عمارة...


ولذلك فإن كل ما أنتجته الأيديولوجيا المغلقة من كوابح للمراجعة أو ما يمكن أن يترنّم به المستغرقون فيها من مقولات كلاسيكية، تستهدف تكميم كل صوت مطالب بها، من قبيل: ليس وقته، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، جلد الذات، خمش الوجوه، الآخرون هم السبب، ليس كل ما يعلم يقال، النصيحة في العلن فضيحة، لا تكن أنت والزمن علينا، رفقا باخوانك، لسنا مجتمع ملائكة ولكن...


كل ذلك وغيره ردّت عليه كتب بأكملها، من داخل المدرسة الاسلامية لا من خارجها. وقد رافقتنا هذه الكتابات لسنوات طويلة؛ مطالعةً ونقاشا ومراجعةً، حتى تشرّبنا بعون الله معانيها وتفطنّا لكثير من مواطن النقص فيها. وسنبدأ قريبا في نشر ورقة بحثية مطوّلة في شكل سلسلة من المقالات للتفصيل في هذا كلّه. 


وسيكون هذا العمل بإذن الله منضبطا لثنائية العدل والعلم بالمصطلح الفقهي او لما يقابله في علم الاجتماع من مسؤلية أكاديمية وأخرى أخلاقية. ولذلك فقد بدأنا في تحرير أولى مسودّاته منذ الصائفة الفارطة، وهي خاضعة منذ ذلك الوقت الى النقاش والتجويد مع شرائح متنوعة من داخل حركة النهضة التونسية وخارجها؛ بداية من القيادات الشبابية العاملة أو المنسحبة ووصولا الى شخصيات مؤسسة مرورا عبر مثقفي الوسط المجتمعي العريض والاكادميين. 


وحتى منصة النشر فقد اخترناها بعناية شديدة، وستكون بإذن الله في واحدة من أهم المؤسسات الفكرية المختصّة في مجال الاستشارات في وطننا العربي، والتي أتحمّل بحمد الله مسؤولية محرّر الدراسات ضمن هيئتها التحريرية، تحت قيادة شبابية واعدة وفي ظلّ اشراف واحد من أهم المفكرين الاسلاميين لهذا العصر. 


وتعتمد هذه الدراسة على جملة من العيّنات البحثيّة من داخل الواقع التنظيمي ومن صلب نقاشاته الداخلية -على مستوى الظاهرة لا المعلومة- حتى لا تكون محض أحلام سابحة بين الكتاب والسحاب. وأما المراجع النظرية، فقد حرصنا على أن تكون جميعها من داخل التيّار الاسلامي، حتى ندرأ أكبر نصيب ممكن من الشبهات، وأعدد في هذه التدوينة بعضها لمن يهمّهم الأمر:


- أزمة التنظيمات الاسلامية الاخوان نموذجا، للدكتور جاسم سلطان.

-الحركة الاسلامية ثغرات في الطريق، للدكتور عبد الله النفيسي.

-الخيال السياسي للاسلاميين ما قبل الدولة وما بعدها، للدكتورة هبة رؤوف عزت.

-من تجربة الحركة الاسلامية في تونس، للشيخ راشد الغنوشي.

- الحركة الاسلامية بتونس قراءة استرجاعية من الداخل عن سنوات التأسيس، للشيخ احميده النيفر.

  

ولذلك فإن كل ما سبق نشره -خلال الأسابيع الفارطة على حسابي الخاص في الفايسبوك- من تدوينات او مقالات في هذا السياق، ليس إلا اثارات أولى تستهدف التمهيد وجسّ النبض لا غير. اذ أننا على قناعة تامة بما للتفكير العلني من خارج الصندوق السائد من تبعات. خاصة ان كان ذلك في سياق تطغى عليه مناخات التعبئة النفسية والتجييش العاطفي من ناحية، وتتعرض فيه الحركة الى نسق متصاعد من الضغط والتضييق من ناحية أخرى.


 وأنا على يقين كامل بما سينال شخصي المتواضع من بعض قواعد الحركة وخاصة المتحركين على هوامشها في دوائر المتعاطفين -من خارج الحزب- قبل هياكلها وقياداتها. اذ أن للهياكل الوسطى والقيادات حد أدنى من التكوين المعرفي والنضج السياسي، بما يجعلهم أكثر احتراما للعقول المفكّرة وان صدعت بالنقد، من احترامهم لأبواق الدعاية وان تمسّحت على اعتابهم. خاصة وان كان صاحب الفكر يعرفهم ويعرفونه، وكانت مسيرته شاهدة على كدحه في عالم الأفكار، واستعفافه عن عالمي الأشياء والأشخاص، أولا. وعلى رباطة جأشه وكثافة نشاطه يوم "حكت الركب" ورصانة مواقفه وتصريحاته الاعلامية لما كان "الطايح أكثر من الواقف" لحظة انتكاس التحول الديموقراطي في تونس وعلى امتداد الأشهر الأولى التي تلته، ثانيا. ولا أزكي على الله أحدا، لكنني أحسب أن التجربة المتواضعة للعبد الفقير لله ضمن القيادة الدنيا ثم الوسطى للحزب، تتنزل في هذا المدار. 


واحقاقا للحق، فلم يصلني من قيادات الحزب وهياكله الى حد الساعة الا التشجيع او بعض التحفظات والملاحظات في اطارها اللائق. وأما ما يبدر من هنا أو من هناك من بعض القواعد أو المتعاطفين من ردود أفعال متفلّتة خارجة عن ثقافة الحركة وآدابها، فنتعامل معها بإذن الله بعقل بارد، فنضيفها الى العيّنات البحثية موضع الدراسة، ثم نقول فيهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: 


"ربي اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون." 


وختاما، فإن ما ورد في هذه التدوينة لم يتناول بالذكر والتأطير الأولي، الا المستوى الأول من مسار المراجعات المنشود، والذي يركّز على مواطن الخلل البنيوية في نظام الأفكار المؤسسة وعوالم الأيديولوجيا، التي تكبح عمليات المراجعة لدى الحركات الاسلامية عموما وتجعل منها عمليّة متعسّرة وأليمة. وأما المستوى الثاني فسيتناول -بشكل مواز- تقييم السلوك والخطاب السياسيين للنخب التونسية بشكل عام، ويضعها جميعها على مسطرة علم الترانسيتولوجي وأدبيات الانتقال الديموقراطي، لعلّنا نخلص لاسهام كل منها في أزمة الوطن. وتحرّكنا في كل ذلك قناعة عميقة، بأن التقدم مرّة أخرى نحو الديموقراطية في تونس، لن يكون الا برصد أسباب انتكاس مسار الدمقرطة الأول ومعالجتها. فضلا عن أن التجربة التونسية والعلوم السياسية، يثبتان معا بأن عملية الخروج من السلطوية نحو الديموقراطية، مسألة أعقد بكثير من مجرّد إسقاط سلطة سياسية ما. بما يجعل من اعادة الحسابات ومراجعة الخيارات الاستراتيجية، خطوة ضرورية على طريق أي من سيناريوهات الحلّ الممكنة في تونس.


طبعا وقبل أن أنهي، لا يفوتني التوجه بشكر خاص وقبلة على جبين كل من يشد من ازرنا ويرافقنا منذ اليوم الأول في هذا المسار المرهق/الجادّ على طريق التجديد الوطني من أجل التجاوز والاصلاح من الشباب. كنّا ومازلنا وسنبقى على عهدنا معكم، ولن تأخذنا في الله وفي الوطن وفي دولتنا وفي حركتنا لومة لائم بإذن واحد أحد. ولن نحيد أبدا عن نهج الرصانة والتؤدة، مهما عصفت بنا رياح الخطاب المنتفخ.


" إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ."

تعليقات

الكلمات الدلالية