img
img

وذكرهم بأيام الله

img
منَصَّة المَرْأَة المُسْلِمَة

وذكرهم بأيام الله

أ. سميحة بنعمر


 أمين عام شبكة الرواد الالكترونية ومستشارة منصة المرأة المسلمة


قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (سورة إبراهيم: 5).

قال السعدي رحمه الله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} أي: بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، وبأيامه في الأمم المكذبين، ووقائعه بالكافرين، ليشكروا نعمه، وليحذروا عقابه. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: في أيام الله على العباد {لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي: صبار في الضراء والعسر والضيق، شكور على السراء والنعمة.

العالمُ من حولِك يَغلي بالأحداث..

الأحداثُ حولَك تاريخيَّة..

{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}

اصنع لنفسِك سجلًّا تاريخيًّا للأحداثِ التي تدورُ حولَك بالنسبةِ للعالم:

قهرَ الجبابرةَ الظالمينَ {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}، وأورثَ عبادهُ المؤمنينَ دورَهم وقصورَهم.

{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)}

تجرَّأوا على اللهِ الذي لا يُغالِبُهُ أحدٌ، فعجَّلَ لهم قِطَّهُمْ في الدنيا قبل نارِ الآخرةِ، للظالمينَ منهم.

وكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}

قذفَ في قلوبِ الصهاينةِ الرعبَ وأخرجَهم أذلَّاءَ صاغرين، وأنعمَ فيها على عبادهِ المؤمنينَ، فنقلَهم من الضيقِ إلى السَّعَةِ، غيَّرَ أحوالَ العبادِ بعد جوعٍ شديدٍ، وبعد فقرٍ ونقصٍ، وأعطاهم وأكرمهم، ونقلَهم من الذُّلِّ إلى العزَّة..

{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)}

{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}

اصنع لنفسِك سجلًّا تاريخيًّا للأحداثِ الخاصةِ بك، "تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرفْكَ في الشِّدَّةِ":

ذكِّرْهم بأيامِ اللهِ، ذكِّرْهم كيف ربَّاهم بأقدارِه، كيف تفضَّلَ عليهِم بنِعَمِهِ، كيف ستَرَهم بستْرِهِ، كيف رزقَهم من واسعِ فضلِهِ، كيف أعطاهم النَّوالَ قبلَ السُّؤالِ:

هنا أطعَمَنا، هنا كَسانا، هنا علَّمَنا، هنا جبَرَنا، هنا أخطَأنا لكي يُصلِحَنا..

هنا تألَّمْنا لكي يُخرِجَ ما فينا من غفلةٍ، من حبٍّ للدنيا، من همومٍ تافهةٍ كانت غايةَ أمانينا، من أمراضٍ عشَّشت فينا فأوشَكَت أن تُردِينا..

{الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)}

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ (43)}

ما أضعفَ ذاكرةَ الإنسانِ تجاهَ نعمِ اللهِ، وما أشدَّ سرعةَ نكرانِهِ! هذا حالُ الخلقِ كلِّهِم، إلَّا من كانَ معَ نعمِ اللهِ صبَّارًا شكورًا: صبَّارٌ في الضَّراءِ والعسرِ والضِّيقِ، شكورٌ على السَّراءِ والنِّعمةِ.

أراكَ قدَرتَهُ: بسطَهُ ومنعَهُ،

في لحظةٍ قد تُحرَمُ النِّعمُ: الدُّورُ والحُقُولُ، المالُ والبنونُ، الأهلُ والأحبابُ، الطعامُ والشَّرابُ..

فهلا كنتَ شكورًا لتحفظَ لكَ النِّعمَ؟

كثرةُ المِساسِ تُمِيتُ الإحساسَ، فهلَّا أنعشتَ إحساسَك؟

سنةٌ ونَيِّفٌ من البثِّ المباشرِ، سنةٌ ونَيِّفٌ مع الدروسِ والعِبَرِ..

هل أصبحتَ حسَّاسًا للنِّعَمِ: للدِّفءِ والغذاءِ، لِشَرْبةِ الماءِ، للأنسِ بالأهلِ، بنعمةِ الأمنِ، بنعمةِ الحريَّةِ، بالقدرةِ على الإنجازِ، بشرحِ الصَّدرِ، بنورِ البصرِ.. بنِعَمٍ تعجِزُ عن حصرِها..

هلَّا فحصتَ همومَك؟

هل ما زالتْ همومُك الدِّرهمَ والدِّينارَ والخميصةَ والخميلةَ؟

إذا أردتَ أن تعرفَ مقامَك، فانظُرْ أينَ اللهُ أقامَك..

اللهُ الذي ربَّاكَ بنعَمِهِ، الآنَ يبتلِيكَ..

هلَّا استحضرتَ الدُّروسَ والعِبَرَ من أقوامٍ خسِروا كلَّ شيءٍ، فقالوا: الحمدُ للهِ الذي لم يجعلْ مُصيبتَنا في دِينِنا!

هلَّا وطَّنتَ نفسَكَ على الصَّبرِ؟ هلَّا استحيَيْتَ من اللهِ الذي يُقدِّرُ لكَ الفرجَ بألطفِ ما يكونُ، وقلبُكَ يُسيءُ الظنَّ به؟

من كانَ على البلاءِ صابرًا، وللنِّعَمِ شاكرًا، انتفعَ بالآياتِ، واعتبَرَ بأيَّامِ اللهِ، وما جرى فيها من العِظاتِ..

لذلك أتى الأمرُ: إن كنتَ تريدُ أن تُحسِنَ لهم، ماذا تفعلُ؟

{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}.


تعليقات

لمياء صالح

2025-02-15 05:48 AM

أحسنت القول، بارك الله فيك ونفع بك.

الكلمات الدلالية