المقدمة:
الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون تهمه أو
محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، وتستند
إجراءات الاعتقال الإداري التي تطبقها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة
إلى المادة (111) من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي فرضتها سلطات الانتداب البريطانية
في سبتمبر/ أيلول 1945. واستخدم الاحتلال الإسرائيلي هذه السياسة بشكل متصاعد منذ السنوات
الأولى لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
وجدير
بالذكر أن إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي تستخدم الاعتقال الإداري؛ إذ اعتمدته
سياسة للتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين واتخاذهم كرهائن سياسيين، خلافًا للقانون
الدولي وللشرائع الإنسانية والدولية، وقد طالت هذه السياسة مختلف شرائح الشعب
الفلسطيني فشملت أطفالاً ونساء وشباناً وشيوخاً، ومثقفين وطلبة وقيادات سياسية
ونقابية، وزراء ونواب سابقين، صحفيين ونشطاء حقوق إنسان، ...الخ.
وتتذرع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأن المعتقلين
الإداريين لهم ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقًا؛ فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته
ولا التهمة الموجهة إليه؛ وغالبًا ما يتعرض المعتقل الإداري لتجديد مدة الاعتقال أكثر
من مرة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو ثمانية؛ وقد تصل أحيانًا إلى سنة كاملة، وقد
تصل إلى سنوات قابلة أيضًا للتجديد.
قوانين الاحتلال المنظمة لجريمة الاعتقال الإداري:
مع مطلع عام 1977، أخذ الخط البياني للاعتقال
الإداري ينخفض؛ استجابة للضغوطات الداخلية والخارجية، وفي عام 1980 تخلصت سلطات الاحتلال
الإسرائيلي فعلياً من استخدام سياسة الاعتقال الإداري؛ حيث تم إطلاق سراح آخر معتقل
فلسطيني إداري من السجون الإسرائيلية يوم 2/3/1982م وهو المواطن علي عوض الجمال، من
سكان مدينة جنين، بعد أن اعتقل لمدة 6 سنوات وتسعة أشهر، دون أن توجه إليه أي تهمة،
ودون المثول أمام المحكمة؛ كما صدر بحقه أمرًا بالإقامة الجبرية حتى شباط 1984.
إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سرعان
ما عادت لتطبيق سياسة الاعتقال الإداري ضمن سياسة "القبضة الحديدية" مع بدء
الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" في 8/12/1987، وفي سبيل ذلك
أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي العديد من الأوامر العسكرية لتسهيل عملية الاعتقال
الإداري، كان منها: القرار (1228)، والصادر بتاريخ 17/3/1988، والذي أعطى صلاحية إصدار
قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة؛ وعلى أثر ذلك
تم افتتاح معتقل أنصار 3 في صحراء النقب لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين الإداريين.
وأصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي (12)
أمراً عسكرياً تتعلق بالاعتقال الإداري، وهي ذات الأرقام التالية: (378 - 1229 -
1236 - 1254 - 1270- 1281- 1283- 1299- 15- 1331 - 161). ويتولى وزير جيش الاحتلال
إصدار أوامر الاعتقال الإداري في إسرائيل والقدس الشرقية، بموجب نظام الطوارئ لعام
1945؛ وليس له صلاحية بتفويض صلاحياته. ويحق للمحكمة المركزية بالقدس النظر في الأمر
والاستئناف به، على أن يصدق من قبل محكمة الصلح؛ بينما يتولى القادة العسكريون إصدار
هذه الأوامر في الضفة الغربية بموجب الأمر العسكري (378) لمدة 96 ساعة، بعدها يتأكد
الأمر من قائد المنطقة.
الاعتقال الإداري من وجهة نظر الشرائع والقوانين الدولية:
رغم أن
إسرائيل وقعت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنها تراجعت
عن تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في المادة (9) على اعتبار أن إسرائيل تعيش حالة
طوارئ منذ إنشائها عام 1948.
إن
ممارسة إسرائيل سياسة الاعتقال الإداري هو إجراء تعسفي غير قانوني، يتنافى وأبسط
المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ إذ تنص المادة
(9) في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي:
1. لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً، ولا يجوز حرمان أحد من حريته، إلا لأسباب ينص عليها القانون، وطبقاً للإجراء المقرر فيه.
2. يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه، كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه.
3. الفقرة تتحدث عن الموقوفين، أو المعتقلين بتهم جنائية.
4. لكل شخص حرم من حريته، بالتوقيف، أو الاعتقال، حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.
5. لكل
شخص كان ضحية توقيف، أو اعتقال غير قانوني، حق واجب النفاذ في الحصول على تعويض.
اعداد المعتقلين بحجة الاعتقال الإداري:
خاض الأسرى
الإداريون على مدار السنوات الماضية وما زالوا يخوضون إضرابات مفتوحة عن الطعام
فردية وجماعية احتجاجًا على اعتقالهم الإداري؛ في محاوله منهم للضغط على سلطات
الاحتلال لإلغاء اعتقالهم الذي يعد انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق والأعراف الدولية
الإنسانية.
وبحسب "هيئة شؤون الأسرى
والمحررين" فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت بحق الفلسطينيين منذ العام
1967 أكثر من 50 ألف قرار اعتقال إداري، ما بين قرار جديد وتجديد اعتقال؛ ووصل
أعلى رقم للأسرى الإداريين في العام 1989م (في أوج الانتفاضة الفلسطينية الأولى)
إلى 1794 أسيراً. وتصاعدت هذه القرارات منذ اندلاع "انتفاضة الأقصى"؛ إذ
أصدرت سلطات الاحتلال نحو 27 ألف قرار اعتقال إداري منذ سبتمبر/ أيلول عام 2000
وحتى حزيران 2017.
وفي السنوات اللاحقة وحسب تقارير مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز معلومات وادي حلوة-القدس) جاء عدد أوامر الاعتقال الإداري على النحو الآتي:
1. في عام 2018م بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري إلى (912).
2. عام 2019م بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري إلى (1035).
3. عام 2020م بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري إلى (1114).
4. عام 2021م
بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري إلى (1595).
وبحسب إحصائيات "نادي الأسير
الفلسطيني" في الثلث الأول من أيلول 2022 فإن عدد أوامر الاعتقال الإداريّ
التي صدرت منذ مطلع العام 2022، بلغت 1365 أمر اعتقال إداريّ، وكانت أعلى نسبة في
شهر آب، وبلغ عددها 272 أمرًا، منها 143 أمرًا جديدًا، وهي النسبة الأعلى من مطلع
2022، وقد تجاوز عدد المعتقلين الإداريين حتى الأسبوع الأول من شهر أيلول/ سبتمبر
2022 نحو 760 معتقًلا إداريّا من بينهم أربعة قاصرين، وأسيرتان، أكثر من 80% من
المعتقلين الإداريين هم أسرى سابقون.
ظروف احتجاز المعتقلين الإداريين:
تفصل
اتفاقية جنيف الرابعة في القسم الرابع منها "قواعد معاملة المعتقلين"
حقوق المعتقلين وظروف احتجازهم والعناية الطبية بهم، وكل ما يترتب على سلطة
الاحتلال من تقديمه للمعتقلين لضمان احتجازهم في ظروف إنسانية وبقدر لا يمس
بكرامتهم.
لن
ندخل في تفصيل دقيق لكل هذه الحقوق، ولكن من الاطلاع على ظروف وشروط حياة
المعتقلين الإداريين في معسكرات الاحتجاز العسكرية أو في كل من سجون النقب، عوفر
ومجدو، يمكننا القول أن بنود الاتفاقية لا يتم الالتزام بها كما يجب من سلطة
الاحتلال.
إن
الاعتقال الإداري بالصورة التي تمارسها سلطات الاحتلال يشكل ضرباً من ضروب التعذيب
النفسي، ويرقى لاعتباره جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب بموجب ميثاق روما، الذي
يجرّم حرمان أي أسير حرب، أو أي شخص مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة
عادلة ونظامية، كما أن جلسات المحاكمة في الاعتقال الإداري تجرى بشكل غير علني،
وبالتالي يحرم المعتقل من حقه في الحصول على محاكمة علنية، الأمر الذي يخالف ما نص
عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي كفل حق المعتقل في
المحاكمة العلنية.
إن أول
وأهم ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة هي أن يُبلَّغ المعتقل وبلغة يفهمها بطبيعة
التهم الموجهة إليه، ليتمكن من إعداد دفاعه، أما المعتقل الإداري، فمنذ لحظة
اعتقاله وحتى الإفراج عنه لا يتمكن من معرفة سبب اعتقاله، وكل ما يتردد على مسامعه
هو أن هناك مواد سرية تشير إلى أنه "يشكل خطر على أمن المنطقة"، وفي ظل
المحاكم الصورية التي تعقد "لمراجعة" اعتقاله الإداري، لا يكون أمام
المعتقل سوى انتظار تجديد أمر اعتقاله الإداري لمرات عدة ولأجل غير مسمى، أو
الإفراج عنه عندما تقرر مخابرات الاحتلال ذلك، دون تمكنه من الدفاع عن نفسه، أو
تفنيد الشبهات الموجهة ضده، مما يؤكد أن الاعتقال الإداري هو اعتقال تعسفي يتوجب
مسائلة ومحاسبة مرتكبيه، وتعويض المعتقلين عن احتجازهم التعسفي وغير القانوني
وفقاً للقانون الدولي.
اكتب مراجعة عامة