بقلم: محمد أحمد يوسف
لنصوص الوحيين منزلةٌ عظيمةٌ عند
المسلمين، فهما المنهجُ الكامل لحياة سوية، ولا فلاح في الدنيا، ولا نجاة في
الآخرة إلا بتعظيمهما.
والتسليم لهما يعتبر من تمامِ العبودية
لله عز وجل، فعليهما مدارُ التكليف، وهما مصدرُ التشريع.
يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ
دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125].
ويقول: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن
يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].
يقول الإمام محمد بن شهاب الزهري:
"مِنَ الله الرسالة، وعلى الرسولِ البلاغ، وعلينا التسليم" [علقه
البخاري].
قال الإمام الطحاوي: "ولا تثبت
قَدم الإسلام إلاَّ على ظهر التسليم والاستسلام".
قال ابن أبي العز شارحًا: "أي: لا
يثَبت إسلام مَن لم يُسَلِّم لِنُصوص الوحيين وينقاد إليها، ولا يَعْتَرِض عليها،
ولا يُعارضها بِرأيه ومَعْقُولِه وقِياسه".
فمن لم يستسلم له لم يكن مسلماً؛ ومن
استسلم لغيره كما يستسلم له لم يكن مسلماً، والاستسلام له يتضمّن الاستسلام لقضائه
وأمره ونهيه؛ ويتناول فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور [النبوات
لابن تيمية مختصرا 1 / 347].
قال الله سبحانه وتعالى : {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1 ].
قال السعدي رحمه الله: "هذا متضمن
للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له، واحترامه،
وإكرامه، فأمر الله عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال
أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، و أن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله،
ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع
الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته تفوته السعادة الأبدية
والنعيم السرمدي، وفي هذا النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه
وسلم على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اتباعها،
وتقديمها على غيرها كائناً من كان".
ومن أرقى صور التسليم للوحي ما ورد عن
الصحابة رضوان الله عليهم، من ذلك: ما رواه عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله
عنهما قَالَ: "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ
جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ
عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ
فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى
الْكَعْبَةِ". [صحيح البخاري].
اكتب مراجعة عامة