img
img

التطور التاريخي لمفهوم الشرق الأوسط و التدخل الاميركي

img
منصة أفق السياسة

التطور التاريخي لمفهوم الشرق الأوسط و التدخل الاميركي

إن مفهوم الشرق الأوسط مفهوما متحركا غير مستقر بالمعنى التاريخي، حتى في أبعاده الجغرافية والسياسية فقد تغيرت الصياغات السياسية والجغرافية والمسميات بالنسبة لهذا المصطلح من الشرق الأوسط إلى الشرق الأوسط الجديد إلى الأورو متوسطية إلى الشرق الأوسط الكبير حسب المفاهيم الغربية (الأوربية والأميركية).

ويعد المؤرخون أن ولادة الشرق الأوسط المعاصر جاءت في أواخر القرن التاسع عشر، ويشير البعض إلى أن أولى مؤشراتها كانت مع توقيع معاهدة السلام بين روسيا والسلطة العثمانية في عام ١٧٧٤م.



التطور التاريخي لمفهوم الشرق الأوسط:

إن مفهوم الشرق الأوسط يرجع في جذوره إلى بدايات القرن العشرين، حينما استخدمه رجل الاستخبارات البريطاني الجنرال توماس جوردن عام ۱۹۰۰م، في تنبيهه للحكومة البريطانية من الخطر الروسي على مصالحها في الهند، وأن كان المفهوم قد ارتبط بالجنرال الأميركي الفرد ماهان عام ١٩٠٢م، حين نبه الحكومة البريطانية لأهمية منطقة الخليج العربي التي أطلق عليها الشرق الأوسط للإمبراطورية البريطانية ومصالحها في الهند، ليبدأ المفهوم بعد ذلك بالانتشار في الدوائر الاستعمارية الغربية.

لم يكن مفهوم الشرق الأوسط يشير في الواقع إلى حيز جغرافي معين ولا تاريخ محدد مشترك لشعوب المنطقة، بل استند بالأساس إلى نظرة السياسات الاستعمارية، غير أن مفهوم الشرق الأوسط بدا في الانتشار أثناء الحرب العالمية الثانية على يد الخلفاء، للإشارة إلى الإقليم الممتد من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا، ثم أخذ تعبير الشرق الأوسط يحل تدريجيا محل مصطلحات أخرى سادت في الاستعمال مثل الشرق الأقصى والشرق الأدنى.


ومع إنشاء الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨م ركز المؤسسون الأوائل على مفهوم الشرق الأوسط للتضليل الحضاري على المنطقة. فالشرق أوسطي كفكره تنسب إلى مراكز خارج الشرق الأوسط، هو أوروبا تدريجيا وإلى الغرب، وفيه الآن الولايات المتحدة قطبه الأكبر، وهي لم تعبر أبدا نطاقا جغرافيا تاريخيا محددا على وجه الدقة، بل تعرض للانكماش والتوسع مع تغير المشاريع الغربية والأميركية اتجاه الوطن العربي والعالم الإسلامي إلا أن السياسة الأميركية بقيت مدركة للأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط من عام ۱۹۰۲م، عندما أكد ماهان على أهمية المنطقة فالإدراك الأميركي لأهمية المنطقة تبدو بعيده، ليس فقط إدراك أهميتها وإنما دراستها عن بعد وهذا ما يبدو واضحا في كتابات جون ليديارد وهو صديق توماس جيفرسون وربما يعد من أوائل الشخصيات الأميركية التي تدرك أهمية الشرق الأوسط عندما كتب "أنه لمن الغريب أن اللغة العربية لا تحتوي على كلمة الحرية". وهذا يكشف عن مدى أهمية المنطقة العربية في الفكر السياسي الأميركي منذ زمن بعيد.



التدخل الاميركي: 

بدا التدخل الفعلي في منطقة الشرق الأوسط وتمثل بالإطاحة بنظام مصدق في إيران وتثبيت حكم الشاه، ثم جاء الرئيس الأميركي أيزنهاور بمبدإ سياسة ملء الفراغ، كي تحل الولايات المتحدة محل الاستعمارين البريطاني والفرنسي.

ليمد ذلك المبدأ نطاق المجال الحيوي للولايات المتحدة الأميركية إلى الشرق الأوسط، وأبرز تطبيقات المبدأ بعد أن سمح الرئيس باستخدام القوات المسلحة الأميركية، خارج الحدود في الشرق الأوسط، وكان التدخل المباشر في لبنان والأردن ليأتي بعد ذلك مبدأ نيكسون والإنابة المدعومة، والتي صيغت بعد ذلك إلى نظرية ( فتتمه الحرب) أي جعل النظم المؤيدة للولايات المتحدة تلعب دورها في الدفاع عن مصالحها ومصالح الحليف الأكبر.

وقد بدأ مبدأ نيكسون تطبيقا: التحركات المكوكية لهنري كيسنجر، من أجل أن يقرر الشرق أوسطيين مستقبل الشرق الأوسط، برعاية العراب الأميركي، ومن هنا بدأت المفاوضات المباشرة بين الكيان الصهيوني والنظام الساداتي، والتي انتهت بتوقيع اتفاقيتي سيناء الأولى والثانية.

جاء بعد ذلك مبدأ كارتر في الشرق الأوسط، ليطرح ضرورة اعتماد القوة لغزو حقول النفط، وخاصة بعد حرب ۱۹۷۳م، واستخدام النفط كسلاح ليستمر التدخل الأميركي في المنطقة بعد ذلك في عهد الرئيس ريغان في ثمانينيات القرن الماضي، على المستويين السياسي والاقتصادي وفقا للمصلحة الأميركية.

لكن من الخطأ القول إن العصر الثالث (عصر الحرب الباردة)، كان مجرد مرحلة تنافست فيها القوى العظمى بشكل منظم.


فحرب حزيران ١٩٦٣م، أحدثت تغييرا في موازين القوة، فيما أظهر استخدام النفط كسلاح اقتصادي، وسياسي، في حرب ١٩٧٣م، وهشاشة الولايات المتحدة والعالم، سواء فيما يتعلق بالقدرة على تأمين النقص في الموارد النفطية والقدرة على التحكم في أسعارها.

في وقت أوجدت فيه موازين الحرب الباردة، إطارا سياسيا، استطاعت من خلاله القوة الإقليمية أن تحافظ على استقلالية كبيرة للعمل وفقا لأجندتها الخاصة، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران لتطيح بدعائم السياسة الأميركية في المنطقة، ولتظهر عدم قدرة القوة الخارجية على التأثير في الأحداث المحلية، عدا أن الدول العربية كانت قد نجحت في مواجهة المحاولات الأميركية لجرها مشاريع مناهضة للسوفييت، فيما أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام ۱۹۸۲م، إلى ولادة حزب الله وقت فيه الحرب العراقية الإيرانية هذين البلدين طيلة عقد من الزمن؛ لينتهي بذلك العصر الثالث معلنا بداية العصر الرابع (عصر ما بعد الحرب الباردة) على منطقة الشرق الأوسط.


وتعود أيديولوجيا الشرق الأوسط الكبير إلى طروحات المؤرخ البريطاني برناند لويس في مقال له نشر في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان (أعادة) هيكلية الشرق الادنى عام ۱۹۹۲م . 

ولكن قبل ذلك وبعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام ،۱۹۹۱م، طرح شمعون بيريز مفهوم الشرق الأوسط الجديد، وألف كتاب حمل نفس العنوان يدعو فيه إلى اختراق العالم العربي، من خلال النشاط الاقتصادي بالتوازي مع الدعم الأميركي السياسي والاقتصادي للمنطقة العربية، وهو الطرح ذاته الذي عبر عنه روبرت ماكفرلين، بأن يكون للتوجه السياسي بعده الاقتصادي، لان بيريز كان يدعو إلى اختراق اقتصادي مسنود بتوجهات سياسية اميركية، الا أن تعثر عملية السلام، والخيار اتفاقية أوسلو عام ۱۹۹۳م، ووصول اليمين المتطرف إلى الحكم ورفضه لهذا المفهوم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وفي اعقاب حرب الخليج الثانية والتواجد الأميركي في منطقة الخليج، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية شاملة لمنطقة اسيا الوسطى والخليج العربي وبقية الدول العربية تحت مفهوم منطقة مترامية الاطراف من المغرب غرباً إلى هضبة التبت شرقاً وتضم تركيا وإيران وباكستان وافغانستان .

 كما ظهر مفهوم الشرق الأوسط الكبير في التقرير الاستراتيجي السنوي لعام ۱۹۹٥م، الصادر من معهد الدراسات الاستراتيجية القومية التابع لوزارة الدفاع الأميركية .

 

الا أن مع اعلان بوش الابن مبادرته الشرق الأوسط الكبير نجد أن هناك تحولا في طرح حدود هذا المفهوم خاصة منذ انعقاد مؤتمر قمة الثماني ومشاركة الدول الأوربية، حيث اصبح يطرح الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا، وكأن منطقة المغرب العربي خارج نطاق الشرق الأوسط الكبير .

 أن مفهوم الشرق الأوسط لم يكن وليد مرحلة معينة، فهو يطلق على المنطقة العربية بشكل ثابت بينما يتحدد احياناً ليشمل دولاً أخرى أو ينكمش وفقاً للسياسات الاستعمارية الغربية آنذاك، ووفقاً لأهداف القوة المسيطرة والتي تختلف من مرحلة إلى اخرى واذا كان الشرق الأوسط غير واضح المعالم، بالنسبة للسياسات الاستعمارية، فان الدوافع الأميركية لشرق الأوسط تبدو واضحة بشكل اكبر .


 الدوافع الأميركية المحركة لمشروع الشرق الأوسط الكبير:

تعد منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي إحدى أهم المناطق الحيوية والاستراتيجية للمصالح الغربية عموما والأميركية بوجه خاص، ليس بسبب موقعها الجغرافي والاستراتيجي فحسب، وإنما لدوافع أخرى.

أهم الدوافع التي حركت العقل السياسي الأميركي ليطلق مشروع الشرق الأوسط الكبير.

أولا: القيم الأميركية والروح التوسعية للفكر السياسي الأميركي.

ثانيا: النفط وضمان أمن إسرائيل.

ثالثا: تغير البيئة السياسية وانتهاء الحرب الباردة.

رابعا: أحداث ١١/ أيلول سبتمبر ۲۰۰۱م.





المراجع 

ابو راشد، عبد الله احمد العولمة في النظام العالمي والشرق أوسطية،، ط1، دار الحوار، ۱۹۹۹. 

التنير سمير اميركا من الداخل حروب من اجل النقط)، ط ١ ، شركة المطبوعات، بيروت، ۲۰۱۰.

 تلحمي، شبلي المخاطر (اميركا في الشرق الأوسط عواقب القوة وخيار السلام)، ترجمة ثائر ديب، ط١، مكتبة العبيكان، الرياض، ٢٠٠٥.

 جلال، شوقي، العولمة الهوية والمسار ، ط ١ ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ٢٠٠٧. 

الرفوع، فيصل عوده الغرب والصراع العربي الصهيوني في ظل الإسلام السياسي، مركز دراسات الشرق الأوسط، التوجهات العربية نحو الإسلام السياسي في الشرق الأوسط)، ط1، عمان، ۲۰۰۰.



تعليقات