بقلم: المحامي عبد الناصر حوشان
ظهرت إثر كارثة الزلزال " إنسانيّة
" المجتمع الدولي المُفرِطة ، و انتقلت عدواها إلى الدول العربيّة والإقليمية
وحتى الولايات المتحدة الامريكيّة ، لدرجة تهافت هذه الدول لرفع مستوى الدعم
الإنساني المُقدّم لنظام أسد ، و تعليق العقوبات الامريكيّة والغربيّة المفروضة
على " مجرمي الحرب " ومنها وقف العمل بقانون " قيصر " لمدة
ستة أشهر الذي تزامن مع ترحيب الولايات
المتحدة الامريكيّة بموافقة نظام أسد على فتح معبري باب السلامة و الراعي أمام المساعدات
الإنسانيّة ، و كان آخرها قيام المملكة العربيّة السعودية دعوة وزير خارجية
نظام أسد لزيارة المملكة للبحث في مسألة
فتح القنصليّات ، و بحث مسألة المساعدات الإنسانيّة ، و تأمين عودة آمنة للاجئين ،
ومساعي دول عربيّة أخرى لإعادة نظام أسد إلى الجامعة العربيّة ، والذي عقّبت عليه
الولايات المتحدّة بطلبها أن يكون هذا التطبيع مقابل تنازلات
"إنسانيّة" من نظام أسد ، في
إشارة منها منح الضوء الأخضر للدول العربيّة لتطبيع العلاقات معه.
الجميع يبني مقاربته في تطبيع العلاقات
مع نظام أسد على الانتصار المزعوم القائم على معطيات زائفة كالهدوء النسبي أو
الاستقرار النسبي سواءًا في مناطق سيطرته أو على خطوط التماس، وهي مقاربات خاطئة
لانها تقوم على مقدّمات خاطئة، فالانتصار الحقيقي يقتضي السيطرة الكاملة على كل
بقعة من الأراضي السوريّة والقدرة على التحكّم في البلاد، ونشر الأمن والأمان،
وعودة الحياة الطبيعيّة للناس، وعودة " نصف الشعب " المهجّر قسريّاً،
ورحيل الجيوش الأجنبيّة، وطرد الميليشيات الطائفية والمرتزقة.
كما يتطلّب انتصار نظام أسد هزيمة
الثورة التي ما زالت قواها الحقيقية قادرة
على قلب المعادلة و نسف ما بناه المجتمع الدوليّ من " بنيان واهيٍ " ليس
له من مقومات البقاء شيء فلا استقرار دائم ولا أمن قائم ما بقي النظام جاثماً على صدور السوريّين، هذا النظام الذي مازال يُشكِّل خطراً على السلم
الأهلي و بالتالي على الأمن و السلم الدوليين ، فالشعب السوريّ حسم قراره بوجوب
استئصال هذا النظام من حياته منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة ، ودفع الثمن غاليّا
في سبيل ، إذ ليس من المعقول أن يتراجع عن ذلك بعد أنّ قدّم هذا الكمّ الهائل من
التضحيات ، وكل من يظّن غير ذلك فهو واهم .
ومن يتصوّر أن المعارضة المُصنّعة
"دوليّاً" هي الحامل الحقيقي للثورة ويبني على فشلها قناعته بهزيمة
الثورة أيضاً هو واهم، فما زالت الخيارات مفتوحة على مصراعيها أمام الثوار فالعدّة
والعتاد متوّفر وبكثرة وبأضعافٍ مضاعفةٍ كمّاً ونوعاً عمّا كان عليه الحال في
بداية الثورة، والثوار أيضا امتلكوا العقيدة القتاليّة الثوريّة واكتسبوا مهارات
وأساليب القتال المُنظّم وتم إعداد كتائب ومجموعات قتاليّة متخصّصة وكفؤة قادرة
على إعداد الخطط العسكريّة المحكمة وتنفيذها بكفاءة عالية ، وهي قادرة على فتح
معركة مفتوحة مع النظام تدمِّر أركان الوهم الذي يتعلّق به المجتمع الدولي لإعادة
تعويم النظام .
و من المتناقضات التي يقع فيها المجتمع
الدوليّ في تمرير عمليّات التطبيع مع نظام أسد ، رغم أن لجان التحقيق و لجان تقصّي
الحقائق الدوليّة التي أنشأتها الأمم المتحدة للبحث والرصد وتوثيق جرائم هذا
النظام ، أصدرت مئات التقارير التي تؤكِّد ارتكابه جرائم حرب و جرائم ضد
الإنسانيّة ، و انتهاكات لاتفاقيّات جنيف الأربع و البروتوكولات الملحقة ، و
انتهاكات لاتفاقيات حظر التعذيب و الاخفاء القسري و الاعتقال التعسفي و اتفاقية
منع الإبادة واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائيّة
وأنّ هذه الجرائم كما نصت المادة "29" من ميثاق روما الأساسي
للمحكمة الجنائيّة الدوليّة لا تسقط بالتقادم .
ورغم تمرّد هذا النظام على الإرادة
الدوليّة من خلال نسف كل القرارات الدوليّة ذات الصلة بالقضيّة السوريّة والضرب
بها عرض الحائط وخاصّة " بيان جنيف 1 والقرار 2118 لسنة 2013 و2254 لسنة 2015
" ونقض كل التفاهمات الدوليّة ذات الصلة.
ورغم أن النظام لم يكتفِ بارتكاب جرائم
الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة في سوريّة، وإنّما حوّل الدولة السوريّة إلى شركة
إنتاج المخدرات وأصبح بشار أسد رائد صناعة الكبتاغون في العالم حيث نُصِّب "
ملكاً للكبتاغون " الذي أغرق به الأسواق العربيّة والإقليمية.
وأنّ المواربة وتقديم التنازلات لهذا
النظام من قبل المجتمع الدوليّ تتناقض مع كل ما صدر عنه من مواقف وقرارات
وتفاهمات، وتظهر حقيقة هذه المنظمة بأنّها منظّمة "مُخادعِة " لأنّها
أُلعوبة بيد روسيا وحلفائها التي سخّرت كل هيئات ومنظمات الأمم المتحدة لإنقاذ
النظام والحيلولة دون محاسبته في ظل صمت وعجز باقي أعضاء الأمم المتحدة.
كل ذلك في كفّة والتدليس الذي تمارسه
الولايات المتحدة الامريكيّة على الشعب السوري في كفّة أخرى، التي تدّعي
الديموقراطيّة وحماية القيم الديموقراطيّة في العالم، وهي أكثر من تساهل مع أكثر
النظم الاستبداديّة وحشيّة في العالم، فقامت بذرّ الرماد في عيون السوريين عبر فرض
مجموعة عقوبات " تأديبيّة" لتعديل سلوك هذا النظام الوحشيّ وهي أشبه
بالتدابير الاحترازيّة أو الإصلاحيّة التي تُفرض على "الأحداث الجانحين ".
وأصبح من المسلمات التي لا يستطيع أحد
نقضها أو الجدال فيها بأنّ نظام أسد نظامٌ إجرامي ثابت الإجرام بالأدلّة القطعيّة
الموثّقة من قِبل لجان وهيئات تحقيق وتقصّي حقائق أمميّة ذات مصداقيّة عاليّة.
ومن المسلّمات أيضاً بأن هذا النظام نظام
مارق على القانون الدوليّ، وأنّه يتعامل مع المجتمع الدوليّ بأسلوب منظمات الجريمة
المنظّمة " المافيا" التي تمارس القتل والإبتزاز ونشر المخدرات والدعارة
وتصديرها.
وبناءًا على ما سبق أصبح من المسلمات
الثابتة يقيناً بأن نظام أسد هو مستنقع للجريمة المنظّمة ومستنقع لجرائم الحرب
والجرائم ضد الانسانيّة، وأنّه نظام مارق على المجتمع والقانون الدوليّين، وأنّه
خطر على الأمن والسلام الدوليّ.
وأنّ أي مقاربة للتطبيع أو للحل تُكرِّس
بقاء النظام أو فرضه على الشعب السوري دون
إرادته سيؤدّي إلى دفعه للجوء للعنف الذي سيكون مقدمة لحرب أهليّة شاملة لن تبقي
ولن تذر ولا يمكن تطويقها ضمن الحدود السوريّة وإنما ستمتد نيرانها إلى كل دول
المنطقة وربّما أيضا إلى دول اللجوء فالقضيّة لم تعد قضيّة سلطة واستبداد وحسب،
فهناك دماء سُفِكت وأعراض انتُهِكت وأموال نُهِبت، وتشريد وتهجير، ووجود
الميليشيات الاجراميّة والمرتزقة الأجانب، وانهيار الدولة وتحوّلها إلى منظّمة
إرهابية وتسخير كل إمكانياتها ومؤسساتها لخدمة نظام أسد الطائفي الحاقد.
وإن أيّة دولة ستعيد تطبيع العلاقات معه
ستغرق معه في هذا المستنقع الذي لن ينجو منه أحد، فلا التطبيع مع الأمم المتحدّة،
ولا مع أيّة دولة منفردة أو أية منظمة دوليّة أو إقليميّة سينقذ هذا النظام من
مستنقع جرائمه، فلا التطبيع يمحو أثر جرائم الحرب ولا يسقط مسؤوليته الجنائيّة
عنها، ولا يمنح مرتكبيها الحصانة وتمكينهم من الإفلات من العقاب.
اكتب مراجعة عامة