طارق مصطفى
القزق
ماجستير في مجتمعات
وثقافات البحر المتوسط
تتسم المجتمعات الحديثة الصناعية بالكثافة السكانية والتقارب المكاني فالأحياء والبيوت تتلاصق ببعضها إلا أن العلاقات السكانية تتميز بالعزلة فلا توجد علاقات اجتماعية بين السكان فالعلاقات قائمة على التضامن العضوي وليس الآلي كما يصفها (إيميل دوركايم) فالجميع يعتمد على الآخر لتلبية احتياجاته الأساسية، وهذا ينشأ عنه التدرج الاجتماعي طبقا لدور الشخص في البناء الاجتماعي وهذا الدور هو الذي يحدد مكانته داخل البناء.
الطبقات في المجتمع المعاصر غير مرتبطة بأيديولوجيا دينية كما في المجتمع الهندي، وليس عبيد أو القطاعين ولكن تعتمد على الملكية وسائل الإنتاج وأدواتها مثل المصانع والأراضي وهم ما يطلق عليهم طبقة الياقات البيضاء أما الطبقة العاملة والتي تعرف بالياقات الزرقاء فهي طبقة هي تحصل على أجرها حقوقها الاجتماعية مثل حق الإضراب والإذعان وإقامة النقابات، وتصبح هذه العلاقة بين الطبقة العاملة والطبقة المالكة لرأس المال أو الإنتاج علاقة تبادلية أكثر منها علاقة اجتماعية وأن تجري كثيرا من الدراسات حول تطوير العلاقات الإنسانية داخل بيئة العمل لتصبح علاقة إنسانية وأخلاقية وثقافية على غرار النموذج الياباني.
المجتمعات الليبرالية تؤمن بوجود هذه الفجوة بين الطبقات ولكنها تحاول تقليل الفجوة بينهما لتكون المجتمعات أكثر رفاهية ويحصل الجميع على حقوق المواطنة بأشكالها المختلفة وأيضا ما تقدمه الدولة من الرعاية لمواطنيها؛ ومع تعقد المجتمعات وتعقد المجتمع الصناعي وما بعد الصناعي تظهر لنا العديد من المشكلات منها التفكك الاجتماعي وكذلك الاغتراب الاجتماعي كما وضحها كل من العالمين الاجتماعين دوركايم وماركس.
إن زيادة الفجوة بين الطبقات تؤدي إلى ظهور الانحراف كمرض اجتماعي الذي ينتج عن التفكك الاجتماعي بين أعضاء المجتمع الواحد، وعلى الرغم من تعدد أنواع الانحراف فإن الانحراف الذي ترتكبه الصفوة السياسية والاقتصادية أو الطبقة الياقات البيضاء هو لا يقل خطورة عن الجرائم التي تركبها الطبقات الأخرى لأن هذه الجرائم منها أخلاقية واقتصادية ومنها استغلال النفوذ فالجرائم الأخلاقية تدل على مدى الانفصال والاغتراب الفكري بين هذه الطبقة والمجتمع الذي تعيش فيه ويظهر ذلك في طريقة تفكيرها وايديولويجتها وكذلك طريقة معيشتها سواء من خلال المهرجانات الاحتفالية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدل على أنها مغتربة عن ثقافة وقيم المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه فمظاهر العري أو التحدث بلغة أخرى عن اللغة المجتمع أو إظهار طريقة رفاهية العيش الباذخ في مجتمعات تقع تحت خط الفقر، فإن ذلك يعتبر نوعا من الانفصال والاغتراب الاجتماعي، وهذا الأمر ينعكس على توقعات الطبقة العليا على الطبقات الفقيرة او الحكم عليها بأنهم مجموعة من الغوغائيين او العبيد فتتحول العلاقة الاجتماعية الي علاقة انتاجية علاقة قائمة على التبادل والامتلاك والسيطرة والتحكم واستغلال حاجتها، وفي المقابل هذه الفجوة الطبقية تجعل الطبقات الفقيرة تتخذ الطبقات الغنية معيارا للحكم على الحياة الاجتماعية التي تعيشها وتحاول تقليد طريقة معيشتها وعاداتها، وعندما يتحول معيار النجاح هو المادةوالسيارات الفارهة والمال والشهرة مع انعدام فرص النجاح الشخصي وتحسين الحياة الاجتماعية ورفاهيتها تتحلل الاخلاق والقيم الاجتماعية وفيزداد الانحراف في الطبقات الفقيرة علاوة على الانومية وتصبح القيم الثقافية والاجتماعية غير مؤثرة وكذلك تحدث صدمات كثيرة في المجتمع منها خلل في توقع الدور وتوقع الدور ليس فقط بالنسبة للطبقات الفقيرة ولكن ايضا الغنية ونجدها في عدم احترام القوانين وعدم احترام الادوار الاجتماعية مثل عدم احترام القانون واستغلال الدور الاجتماعي للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية او لفرض السلطة والسطوة والتهديد بالسجن اذا لم يتم تنفيذ ماتريده او تمرير المصالح، واهم قضية اجتماعية لاستغلال السلطة السياسية والاقتصادية (قضية فيرمونت) وهي جريمة لمجموعة من ابناء الياقات البيضاء التي ترتكب جريمة ابتزاز والتهديد واستغلال حجات الطبقات الفقيرة والمتوسطة بغرض المتعة والتسلية،
والقاصر ورجل المرور، وقضايا الشهرة والتمثيل في مقابل ممارسة البغاء
مع القائمين مع العمل الفني. وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة من وسائل الضغط الاجتماعي
لما تم الاعتناء بهذه القضايا الحقوقية وأصبحت حديث الرأي العام رغم إظهار الأفلام
والمسلسلات لمثل هذه القضايا الاجتماعية لاستغلال النفوذ والجرائم البيضاء، والرابط
المشترك في كل هذه القضايا الإجرامية هي الإيمان بعدم ردعية العقاب والضبط الاجتماعي
والتوقع من الطبقة الفقيرة والمتوسطة بالطاعة لحاجتها المالية والشهرة.
الاغتراب الفكري والثقافي لبعض هذه الطبقات الرأس مالية التي يجعلها تنظر لقيم المجتمع بأنها قيم دونية وتعلم كيف تستغل بعض العادات الجامدة لتحقيق أغراضها مثل إيمان الطبقات الدنيا والمتوسطة بأن العادات الاجتماعية تمنع التشهير بالفضائح والزنى والخوف من الوصمة الاجتماعية فيتم ابتزاز الطبقات الفقيرة والمتوسطة لممارسة كل أنواع البغاء والجرائم الأخرى، فإن القوة وفرض النفوذ ليس فقط معتمدا على المنصب أو المال ولكن أيضا استغلال حاجة الناس لتحقيق أهداف غير مشروعة نوع من الانحراف والجريمة وعندما تأتي من الطبقة العليا التي يطلق عليها جريمة الياقات البيضاء أو أولاد الذوات.
التفاوت الطبقي واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وزيادة الفقر جميعها ظواهر للكساد الاقتصادي وعدم عدالة التوزيع في المجتمع وهو ما يترتب عليه ظهور أمراض اجتماعية كالانحراف والانتحار أيضا والاغتراب وضعف العادات والقيم المجتمع وتحللها والتفكك الاجتماعي هو إحدى أهم المشكلات العالمية بسبب التكنولوجيا والتقارب العالمي وانتشار النزعة المادية الفردية التي تعطي أهمية للمال والشهرة وللفرد أهمية أكبر من العلاقات الاجتماعية والقيم والأخلاق والثقافة التقليدية والدين والتي ينظر لها على أنها معوقات النجاح والحصول على المادة فينتشر الطمع والاستغلال وكثير من الأمراض الاجتماعية، إلى أن أصبح الاتجاه الفكري الاقتصادي المتمثل في الليبرالية الجديدة يرسخ لمبدئ المادة والحصول على الفرص بأي وسيلة مشروعه أو غير مشروعة والاعتراف بعدم المساواة داخل المجتمع وان الفرد الذي لا يستطيع النجاح أو الحصول على المادة والشهرة يعتبر ذلك فشلا من الشخص وليس عدم المساواة أو صعوبة الحصول على الفرص.
وفي الخاتمة لا يمكن إنكار عدم المساواة في العالم ولكن علينا تقليل تلك الفجوة وعلينا تعزيز العمل الاجتماعي لجميع الطبقات كجزء من التعليم لإصلاح الشخصية الاجتماعي والاهتمام بالأعمال الفنية والكتابية التي تعمق وتعزز القيم الأخلاقية والدينية في المجتمع، لا يمكن منع الأفكار الثقافية من الخارجية والجديدة والناشئة ولكن علينا نقدها أو قبولها أو لكي تتكيف مع الثقافة الكلية في المجتمع، أن زعزعة القيم الثقافية والتراثية المشكلة للهوية الاجتماعية داخل المجتمع بغرض التنوير والتجديد ومواكبة أفكار العصر هذا يؤثر سلب على التماسك الاجتماعي والهوية الثقافية التي قد تؤدي إلى تدميره، تطبيق القانون من عوامل الضبط الاجتماعي لمنعه من الانهيار الداخلي.
اكتب مراجعة عامة