img
img

أثر التطبيع العربي _ الإسرائيلي على القضية الفلسطينية.

img
منصة أفق السياسة

أثر التطبيع العربي _ الإسرائيلي على القضية الفلسطينية.

إعداد الباحث: منذر سمير أبو صلاح- قسم التاريخ والعلوم السياسية- جامعة الأزهر _ غزة

سعت إسرائيل منذ البدء إلى تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، لتحسين فرص اندماجها في إقليم الشرق الأوسط، وفي الوطن العربي عامة، وفي الدول الخليجية على وجه الخصوص، وذلك بهدف توسيع مجالات وإمكانات هيمنتها الاقتصادية فيه، ولما كان اغتصابها لفلسطين العربية القائمة في قلب العالم العربي، فإنها تطلعت لاختراق العمق الإقليمي العربي، تمهيدا لوأد القضية الفلسطينية، ولفرض وجودها باعتبارها مكونا بديلاً، ومندمجا في لحمة الإقليم وسداه. وفي المقابل وقفت الدول العربية التي خاضت حرب تحرير فلسطين موقفا رافضا للطموح والسياسات الإسرائيلية، وقد ازداد رفض الدول العربية مجتمعة للقبول بالوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين بعد عدوانها على الأراضي العربية عام 1967م، حيث خرج مؤتمر الخرطوم باللاءات الثلاثة المشهورة التي ترفض الصلح والتفاوض والسلام مع إسرائيل.

ولكن ما لبثت معظم الدول العربية حتى تحولت لقبول مبدأ التفاوض مع إسرائيل في إطار مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. وفي أثناء ذلك برز الدور الخليجي وبخاصة بعد توقيع الجانب المصري معاهدة كامب ديفيد سنة 1979م، حيث أخذت الدول الخليجية تلعب دورًا أكثر جدية في تسوية القضية الفلسطينية، حيث طرحت مبادرة الملك فهد سنة ١٩٨٢ ثم شاركت الدول الخليجية الرئيسية في اللجان متعددة الأطراف المنبثقة من مؤتمر مدريد للسلام سنة 19٩١م  وهو الأمر التي مهدا للإقامة علاقات دبلوماسية رسمية سرية وعلنية بهدف التنسيق والتعاون بين الطرفين الإدارة مجموعة من المصالح الاقتصادية والأمنية والإدارية المشتركة، دون أن تسمح بوجود تطبيع رسمي ولا بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة. وفي أثناء هذه المرحلة طرحت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مبادرة السلام العربية سنة 2002م، وهي المبادرة التي لا زالت مطروحة على الطاولة حتى الآن.


اتفاقية ابراهام  أمن إسرائيل أولا:

جاء اتفاق "أبرهام" من منطلق وحدة التهديد أو التحدي المتمثل في دولة إيران، إضافةً إلى الفصائل الفلسطينية المُسَلَّحة التي يصنِّفها طرفا الاتفاق ضمن مُسَمَّى "جماعات إرهابية"، والتمدد التركي الذي يمثل رافِدًا وحليفًا لانتشار الإسلام السُّنِّي المعتدل الذي يُعَدُّ عَدُوًّا لهما. ومن منطلق وحدة التحدي يكون الاتفاق أو "التحالف" فرصة لتجسيد الأهداف المتقاربة.

ونظرًا لخصوصية البيئة العربية التي تَشَكَّل وعـيُها الجَمْعِيُّ على العداء العميق لإسرائيل باعتبارها كيانًا محتلًّا للأراضي الفلسطينية، فإنَّ إقناع الشركاء بسلامة الخيار يفترض الترويج لأهداف سامية من قبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وإنقاذ الأراضي الفلسطينية من خطر الضم، وتحقيق السعادة للشعب العربي من خلال الرَّخاء المُزمَع تحقيقه من هذا الاتفاق.

تبدو الاتفاقية في ظاهرها خادمة للقضية الفلسطينية، باعتبار فلسطين طرفًا في الصراع الممتد في الشرق الأوسط؛ كما تبدو داعمة لمساعي السلام الإقليمي. وقد لاقت ترحيبًا من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي عَدَّها خطوة تاريخية تُسهِمُ في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، فيما اعتبرتها كُلٌّ من بريطانيا وفرنسا دفعة ضرورية لتحقيق السلام على ألَّا يستمرَّ ضَمُّ الأراضي في الضفة الغربية.

إلَّا أنَّ الاتفاقية في باطنها تعميق للصراع الذي سينفجر تهديدًا لأمن المنطقة برمتها. فالفصائل الفلسطينية التي كانت تأمل في دعم الموقف العربي لقضيتها في مواجهة الاحتلال والتمسك بالمبادرة العربية كحد أدنى للسلام، ستجد نفسها مُجبَرَةً على المقاومة بمختلف أشكالها وتكثيف العمل الميداني ضد السياسات الإسرائيلية.

مخاطر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي:
ان مخاطر التطبيع مع إسرائيل لم تكن يوما مقصورة على القضية الفلسطينية وأرض فلسطين، بل انها تمتد إلى ما هو أبعد وأشمل من ذلك، فالأمة الإسلامية هي المستهدف الرئيسي، من خلال إضعاف الاهتمام بالقضايا التي تهم المسلمين وبالثوابت الإسلامية وتفكيك هوية الأمة الإسلامية. فبعد أن كان التعامل وإنشاء علاقات مع إسرائيل يعد خيانة للفكر الإسلامي وللأمة الإسلامية والعربية، أصبحت الدول الإسلامية والعربية تهرول لإنشاء علاقات مع إسرائيل، وبالتالي تشتت الإسلام والمسلمين، ونشوء جيل متخبط الفكر والمبادئ، غير متمسك بقيمه، يرى أن إسرائيل والدول الغربية نموذج للدول الناجحة المتقدمة، بغض النظر عن النهج والأسلوب المتبع، فجيل مسلم عربي لا يعرف عدوه من صديقه، أخطر على الأمة الإسلامية والعربية من التطبيع نفسه.

يعد التطبيع العربي الإسرائيلي تغيراً استراتيجيا هاماً وخطيراً في المنطقة العربية، إذ يعتبر نقطة قوة وإنجاز لصالح إسرائيل، في المقابل فإن التطبيع العربي قد أضعف موقف القضية الفلسطينية وسط تخلي أكثر الدول العربية تأثيرا في المنطقة عن دعمها لفلسطين، وانتقال دعمها لصالح إسرائيل، ومن أهم تداعيات التطبيع العربي على القضية الفلسطينية مستقبلا، هو تراجع مكانة السلطة الفلسطينية وتعجيل انهيارها، مما يؤدي إلى حدوث توتر في الشارع الفلسطيني، خاصة في ظل الانقسام السياسي الداخلي الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ عام2007، والذي كان له دورا كبيرا في نجاح التطبيع في ظل تراجع وتخبط الموقف الفلسطيني في المنطقة العربية. فضلاً عن أن التطبيع من المؤكد سيكون له دوراً في إنجاح صفقة القرن، والمخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية. 

رفض الشعوب العربية لأنظمتها المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي:

ومع ذلك، لا تعكس اتفاقات التطبيع هذه مشاعر الشعب العربي، بل إن شعوب المنطقة ما فتئت تعارض المشروع الصهيوني منذ بدايته في فلسطين. وحتى قبل عام 1948، كان التضامن العربي مع الفلسطينيين واضحًا. وإبان حرب عام 1948، انضم آلاف المتطوعين من جميع أنحاء المنطقة إلى جيش التحرير العربي للدفاع عن فلسطين، وشقّت قوات متطوعة أخرى طريقها إلى فلسطين، بما في ذلك من العراق، ولا تزال تضحيتها تحظى بالتكريم حتى يومنا هذا من خلال نصب تذكاري خارج مدينة جنين الفلسطينية.

لا تزال المعارضة العربية للتطبيع قوية حتى يومنا هذا. فقد كشفت دراسة استقصائية أجراها المركز العربي للأبحاث والسياسات بين عامي 2019-2020 أن الشعوب العربية، في جميع أنحاء المنطقة، لا تزال تعارض التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل. وتبلغ نسبة معارضة التطبيع في الكويت وقطر والمغرب 88%، بينما يؤيده في السعودية 6% فقط. بل إن المشرِّعين ومنظمات المجتمع المدني في الجزائر وتونس والكويت ما انفكوا يضغطون من أجل تجريم كل أشكال التطبيع مع النظام الإسرائيلي، وقد أقر العراق مثل هذا القانون في أيار/مايو 2022.

الجدير بالذكر أن الدراسة لم تشمل الإمارات والبحرين، حيث تبيَّن أن من الصعوبة بمكان طرح أسئلةٍ حساسة سياسيًا. فحكومة الإمارات حريصة بشكل خاص على إسكات معارضة التطبيع ومعاقبة الداعين إليه، حتى إنها أرسلت رسائل عبر تطبيق الواتس أب تحذر الناس من أن معارضة السياسة أمرٌ محظور. وقد مُنعت الشاعرة الإماراتية البارزة، ظبية خميس المهيري، من مغادرة الإمارات بعد أن جاهرت بمعارضتها للتطبيع مع النظام الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، جاءت معارضة التطبيع في الغالب من الإماراتيين المقيمين في المنفى.

وبالمثل، أصدرت البحرين قانونًا يمنع موظفي الحكومة من معارضة سياسة التطبيع الحكومية. ومع ذلك، وقُبيل المصادقة على اتفاقات أبراهام، نشرت العشرات من المنظمات الشعبية والأهلية في البحرين بيانًا جماعيًا يرفض هذه الخطوة ويؤكد الدعم لنضال الفلسطينيين من أجل التحرير. وكان من بينها منظمات يسارية مختلفة ونقابات وجمعيات مهنية.

 وفي عام 2019، تأسَّس ائتلاف الخليج ضد التطبيع الذي يضم ناشطين من دول الخليج ملتزمين بتحرير فلسطين.

هناك أيضًا المئات من حالات الرفض الفردية للتطبيع، حيث يرفض الرياضيون والمثقفون من جميع أنحاء المنطقة المشاركةَ في الفعاليات التي تضم مشاركين إسرائيليين أو تتم بتمويل إسرائيلي. وعلى سبيل المثال، انسحبَ لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين من أولمبياد طوكيو 2021 احتجاجًا على اللعب ضد خصم إسرائيلي. ونتيجة لذلك، أوقف الاتحاد الدولي للجودو نورين لمدة عشر سنوات.


المراجع:

1.    – عبدالكريم طارق عبد الكريم، تأثير اتفاقيات السلام وسياسات التطبيع على واقع القضية الفلسطينية ( 1978 – 2020م)، رسالة ماجيستير في العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط.

2.    محمد أحمد شعيب التطبيع مع إسرائيل وآثاره على المنطقة العربية،  مجلة العلوم الاقتصادية والسياسية.

3.    مركز الجزيرة للدراسات، المعلن والخفي في اتفاق ابراهام، https://studies.aljazeera.net/ar/article/4799


تعليقات