مقال للأستاذ المحامي: عبد الناصر حوشان
على موقع رسالة بوست
تستضيف دولة قطر الشقيقة فعاليات مونديال
كأس العالم لكرة القدم ، وقد أبهرت العالم بإبداعاتها في تنظيمه من النواحي
الفنيّة و التقنيّة ومن ناحية الضوابط و المعايير السلوكيّة والقانونيّة التي تهدف
إلى تمرير فعاليّات المونديال بسلام ونجاح ، وقد عكست بعض مظاهر هذا التنظيم
أبعاداً أخرى إلى جانب البعد الرياضي ، تحمل العديد من الرسائل السياسيّة و
الأخلاقية و الحضاريّة التي تُعبّر تعبيرا صادقاً عن الهوية الحضاريّة للعرب و
المسلمين ودورهم في بناء الحضارة الإنسانية و قدرتهم في كل مكان وزمان على حمل هذه
الراية بكل تواضع و تسامح وثقة رُغم أنف بعض الجماعات والدول المتمرّدة على القيم
الساميّة والمنفلتة من كل قيد أو ضابط والتي اثبت تجاربها عقم الفكر الذي تحمله ،
واستهتارها بكل القيم والمبادئ الإنسانية ، الذي أغضبها هذا الإبداع ودفعها لشنّ
حملة بربريّة ضدها متخذّةً من حظر أي ممارسة ” للشذوذ الجنسي ” أو الترويج له على
الأراضي القطريّة .
عبر تشويه صورة الدين الإسلامي والحكومة
والشعب القطري، ومن ورائهما العرب والمسلمين، وتسفيه هذه الإجراءات وكيل الاتهامات
الباطلة بانتهاك حقوق الإنسان، هذه الأسطوانة المشروخة التي أصبحت سلاحا بيد
الشواذّ لإرهاب كل من يرفض ممارساتهم ووسيلة للابتزاز السياسي وخاصة بعد أن تسلّط
هؤلاء القوم على مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة، وعلى مراكز القرار في الدول
الغربيّة.
لقد أجمعت وخلُصت أغلب الدراسات العلميّة
التي أجريت على ظاهرة ’’ الشذوذ الجنسي ’’ إلى عدّة نتائج منها:
·
أن
الاختلافات بين البلدان في’’ تقبّل المثليّة الجنسيّة ’’ يرتبط بثلاثة عوامل وهي:
قوة المؤسسات الديمقراطية ومستوى التنمية الاقتصادية.
والسياق الديني للأماكن التي يعيش فيها
الناس. ويُفهم من مصطلح” قوة المؤسسات الديموقراطية” أنّه مدى احترامها” للحريّة
الفرديّة. المُركّزة” وهو جوهر الدعوة لتشريع الشذوذ باعتباره أحد مظاهر” الحريّة
الفرديّة “.
·
أن
أكثر الأشخاص المغايرين جنسيًا ممن يمتلكون مواقف إيجابية تجاه ’’ المثلية
الجنسية، كانوا من الإناث أو البيض أو الشباب أو اللادينيّين أو المتعلّمين جيدًا
أو الليبراليّين أو المعتدلين سياسيًا، ويمتلكون اتصالًا شخصيًا ووثيقًا مع أشخاص
أعلنوا مثليتهم كلّ هؤلاء الأشخاص مواقفهم إيجابية تجاه المثلية
·
أن التوزّع الجغرافيّ لمواقف الدول منها على
الشكل التالي: المثليّة الجنسيّة تلقى قبولًا واسع النطاق للمثلية الجنسية في
أمريكا الشمالية.
والاتحاد الأوروبي وفي قسم كبير من أمريكا
اللاتينية، بينما وجدت رفضاً واسع الانتشار في الدول ذات الأغلبية المسلمة وفي
أفريقيا وروسيا وفي أجزاء من آسيا “.
وبناءَ على ما سبق يمكن استخلاص النتائج التالية:
·
أنّ
المثليّة الجنسيّة هي ممارسة شاذّة عن الفطرة الإنسانيّة.
·
أنّ
الموقف منها مرتبط بالدين والأخلاق والثقافة ودرجة التحرّر.
·
أنّ
ممارسة المثليّة ليست من الحقوق الأساسية التي تضمّنها كلا من الإعلان العالمي
والعهد الدولي لحقوق الإنسان.
·
أن
المواقف منها متباينة ومتناقضة حتى ضمن البلد الواحد والمجتمع الواحد، وهي ليست
محل إجماع لا على مستوى القبول المجتمعي ولا على مستوى قبول” شرعتنها”
وكما هو معروف بأن الدين و العرف يُعتبران
من أهم مصادر القانون وبالتالي فإن الأحكام الدينيّة والأعراف الاجتماعيّة هي
قواعد أساسيّة في بناء المنظومة القانونية في كل بلد وهي إحدى صور التعبير عن هوية
البلد والشعب ، والدين الإسلامي و ما يتضمنه من أحكام شرعية سواء كانت قطعيّة
الثبوت و قطعية الدلالة وهي تلك الأحكام المستمدّة من مصدري التشريع الأصليّين ”
القرآن و السنة ” ، وسواء كانت اجتهادات فقهية مُستمدّة من مصادر التشريع الفرعيّة
أو التبعيّة ” الاجتهاد و القياس و سدّ الذرائع و المصالح المرسلة و شرع من قبلنا…
” وقد شكلت هذه الأحكام الأساس لبناء المنظومة القانونيّة والتشريعيّة في البلاد
الإسلاميّة قبل وبعد عصر التدوين ، وقد تضمّنت من الأحكام و القواعد ما يُنظّم كل
مناحي الحياة الإنسانية وعلاقة الإنسان بالإنسان و علاقة الإنسان بالحيوان و
النبات حيث أقرّت وعزّزت كافة الحقوق الأساسية للإنسان و تعتبر أقدم منظومة حقوقية
في هذا المجال وقد سبقت منظومة شرعة ” حقوق الإنسان الدوليّة ” بأكثر ’’ 14 ”
قرناً من الزمن وتُعتبر إحدى مصادر حقوق الإنسان الدوليّة القائمة حالياً التي
عرفها العالم في عام 1948 .
• إشكاليّة المواقف بين الغرب
وبين الشرق من الشذوذ الجنسي: المرجع القانوني للحكم على قضيّة شرعيّة الشذوذ الجنسي
هو القانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصّة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد
الدولي للحقوق السياسية والمدنية لعام 1966.
نشأ الخلاف القانوني من خلال التفسير الشاذّ
من قبل بعض الدول التي وقعت تحت تأثير الحركات النسويّة المتطرِّفة لعدد من نصوص
الإعلان والميثاق وخاصّة المادة” 16” من الإعلان والمادة” 23″
من العهد المتعلقتين بحق” الرجل والمرأة بالتزوّج وتأسيس أسرة دون أيِّ قيد بسبب
العِرق أو الجنسية أو الدِّين. واعتبار أن الأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ
والأساسيةُ في المجتمع”.
والمادة” 12” من الإعلان والمادة” 17″
من العهد اللتان تضمّنتا: لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل
في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس
شرفه أو سمعته. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس.
حيث كان مضمون التفسير على النحو التالي :
إنّ الزواج المذكور في المادتين ’’23و16 ’’ لا يعني حصريّة الارتباط بين ذكرٍ و
أنثى ، و إنما قد يتخذ أشكالاً وأنماطاً أخرى أشارت إليها اتفاقية السيداو لعام ’’
1979 ’’ من خلال مفهوم ’’ الجندرة ’’ و تفرّعاته التي أنتجت مفاهيم ” التحوّل
الجنسي” و” الميول الجندريّة ’’ و” المثليّة الجنسيّة ” المخالفة للفطرة الإنسانية
، واعتبار أن الفقرة الأولى من كلا المادتين ’’12و17 ’’ المذكورتين أعلاه تحميان
نشاط الكبار ’’الجنسي’’ وبالتالي رفع الحظر المفروض على السلوك المثلي ، وتحميان
هؤلاء الشواذ من باب واجب حماية “شرفهم وسمعتهم” .
وقد بلغت ذروة هذا الخلاف حين نجحت الحركة
النسويّة تضمين مفاهيمها مصطلحاتها الفكريّة المتطرّفة التي تنقض هذه النصوص
وتفرّغها من مضمونها الحقيقي من خلال اتفاقيّة” السيداو” لعام 1979 التي أثارت
تحفّظات العديد من الدول على كثير موادها وخاصّة المادة’’29’’ منها المُتعلقة بحل
المنازعات الدولية حول تفسير الاتفاقية نفسها، وهو حقّ أقرّته الفقرة” 2″
منها، والتحفّظ على المادة ’’16’’ المتعلِّقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحياة
الزوجية” وكانت تحفظات الدول العربيّة والإسلامية تقوم على قاعدتين وهما:
·
من
حقّ الدول الإسلاميّة التحفظ ورفض كل النصوص والتفسيرات التي تخالف أحكام الشريعة
الإسلاميّة وبالتالي المخالفة للدساتير الوطنيّة التي تتضمّن النص على أنّ الشريعة
الإسلاميّة أو الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع.
·
أن
تفسير الاتفاقيّة يعود للمشرّع الوطني الذي يحكمه في ذلك الدستور والقوانين
الوطنيّة والتي تعتبر هي المرجع في تحديد توافقها أو عدمه مع القواعد والنصوص
الدستوريّة باعتبارها القانون الأسمى الواجب التطبيق.
و عليه فإن ” الشذوذ الجنسي ” هو ممارسة
مخالفة للفطرة الإنسانية، تستحق الرفض و عدم انتشارها و الحيلولة دون شرعنتها ،
على قاعدة أنّه ليس كل استخدام ” للحقّ ” يوجب الاحترام والحماية ، و إلّا ما كان
هناك ضرورة لوجود لنظريّة ” التعسّف باستعمال الحقّ ” والقوانين الناظمة لأحكام”
النظام العام و الآداب العامّة و الأخلاق العامة ” ولا نصّ الفقرة ’’ 3’’ من
المادة ” 30 ” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تُحدّد القيود على ممارسة
الأفراد لحقوقهم الأساسية المُعدّدة فيه و التي نصّت على : تستتبع ممارسة الحقوق
المنصوص عليها في الفقرة’’ 2’’ من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصةـ وعلى ذلك
يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
·
لاحترام
حقوق الآخرين أو سمعتهم.
·
لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب
العامة.
فإذا كانت المواثيق قد أقرّت بحق الدول
تقييد الحقوق الأساسية فمن باب أولى الإقرار لتلك الدول الحق في حظر وتجريم
الممارسات المخالفة للشرائع والقوانين والنظام العام والأخلاق والآداب العامة.
كما أن المادة ’’ 5” من الميثاق تحمي الحقوق
الأساسيّة المُحدّدة في الإعلان العالمي والعهد الدولي فقط، ولا يوجد أي نصّ صريح
أو قابل للتأويل بأن” ممارسة الشذوذ” من تلك الحقوق المحميّة.
كما أنّه ليس للقوانين الوطنيّة الأجنبيّة التي”
تُشرعِن” المثليّة الجنسيّة أي أثر قانوني مُلزم لدولة قطر وفقاً لمبدأ” الصلاحيّة
الإقليمية” في تطبيق القانون الذي يعني عدم سريان القوانين الوطنيّة خارج حدود
الدولة.
مما يمنح دولة قطر و غيرها من الدول الحقّ
في وضع القيود على هذه الممارسات و سنّ التشريعات التي تُجرِّمها و قد فعلت ذلك
بما يتوافق مع المبادئ الأساسية التي تضمّنها ميثاق الأمم المتحدّة و خاصة مبدأ
احترام السيادة الوطنيّة و مبدأ احترام الاستقلال السياسي الذي تتجلّى إحدى مظاهره
” بالتشريع و سنّ القوانين الوطنيّة ” و مبدأ المساواة بين أعضاء الأمم المتحدّة ،
مع العلم بأن دولة قطر ليست الدولة الوحيدة التي تفرض قيوداَ على ’’ المثليّة
الجنسيّة ” و إنمّا هي واحدة من أصل ” 69 ” دولة تفرض قيوداً على المثليين من أصل
” 193 ” دولة عضو في الأمم المتحدة.
و أخيراً ولكي لا تُؤّل الأمور على أنّ
الأمر تعصّباً عرقيّاً أو دينيّاً ، نؤكد بأننا أمام قضيّة قانونيّة لا يمكن فكّ
الارتباط بينها وبين الأخلاق و المبادئ فالقانون و الأخلاق والمبادئ قد تختلف من
مجتمع إلى مجتمع وهذا الاختلاف من طبيعة التكوين الإنساني وهي إحدى سّنن الله في
خلقه ، و أنّ مشكلتنا الحقيقيّة هي بالنظرة الدونيّة و العنصريّة التي لم تعد
خافيّة على أحد التي يحملها الغرب على العرب و المسلمين ، و في ازدواجيّة المعايير
الدوليّة ، وفي فرض قيم ” العولمة ” بالقوة و السطوة و محو هويّة الشعوب ، و تفكيك
قيمهم الدينيّة و الأخلاقية و القانونيّة و الثقافية وفرض بدائل عنها لا تستقيم مع
عقائدهم ولا مع أعرافهم ولا ثقافتهم .
ما تتعرّض له دوحة العرب والمسلمين اليوم هو
معركة حقيقيّة بين الفطرة السليمة وبين الشذوذ، فالفِطرة السليمة هي أمّ الفضائل،
والفضيلة أمّ الخيرات، والشذوذ مخالفة للفطرة، وعِداءٌ لله الخالق البارئ
المصوِّر، وفي ذلك الشرّ كلّه الذي لا يوّرث إلا الخسران المبين في الدنيا
والأخرة.
وحسبنا حكماً بيننا وبينهم قول الله تعالى
في سورة الروم: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ
ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30).
وقوله تعالى في سورة البقرة: فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ
وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ
وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ
رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُخْلِصُونَ).
مونديال قطر هو مونديال الفضيلة، وعلى أهل الفطرة السليمة وحرّاس الفضيلة إعلان النفير للدفاع عن الأشقاء في قطر وعن إبداعهم ونجاحهم فهو نجاح لكل العرب والمسلمين.
اكتب مراجعة عامة