img
img

الحركات النسوية تعريفها ، نشأتها ، تطورها

img
منَصَّة المَرْأَة المُسْلِمَة

الحركات النسوية تعريفها ، نشأتها ، تطورها

بقلم الدكتورة صباح العمراني/ المغرب


1- تعريف

يعرف المعجم الفرنسي HACHETTE النسوية او الحركة النسائية بأنها منظومة فكرية او مسلكية مدافعة عن مصالح النساء وداعية الى توسيع حقوقهن. وتعرف الكندية لويز تزبان النسوية بأنها " انتزاع وعي فردي في البداية ومن تم وعي جمعي تتبعه ثورة ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية معينة "[1]. اما سارة غامبل ، فقد اوردت تعريفا اكثر شمولا في كتابها "النسوية وما بعد النسوية " فهي ترى ان النسوية مصطلح يشير الى كل من يعتقد ان المرأة تأخذ مكانة ادنى من الرجل في المجتمعات التي تضع للمرأة والرجل تصنيفات اقتصادية مختلفة ، وتعتبر الحركة النسوية ان هذا الظلم غير تابت او حتمي ، وان المرأة تستطيع تغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عن طريق العمل الجماعي[2]. واعتبرت الحركة النسوية [3] من اهم الحركات الاجتماعية التي انتجتها الحداثة الاوربية .  


2-   نشأة الحركات النسوية/النسائية ودوافعها ومراحلها:

عرفت الحركة النسوية ثلاث موجات:

  • ترجع ولادة المطالب النسائية الى النصف الثاني من القرن 19 م، وانطلقت اولى الاحتجاجات النسائية في
  • فرنسا مطالبة بحق النساء في الانتخاب وفي ولوج الفضاء العام موظفة مفارقة غياب حقوق النساء في بلد ارتكزت فيه الحداثة على فلسفة الانوار، وشهد اعلان المواثيق الدولية لحقوق الانسان. واتسعت دائرة الاحتجاجات للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية، وعرفت مساندة من بعض الفلاسفة والمفكرين. كان الطابع السياسي المسيطر الاساسي على مطالب الحركة النسائية كالحق في الانتخاب وإبداء الرأي في عمليات تسيير هياكل الدولة والمجتمع، بالإضافة الى بعض الحقوق المدنية والاقتصادية.

كانت اولى المطالبات النسائية في هذه الموجة الأولى مطالب اصلاحية توفيقية حيث لم تعلن الغاء الادوار المجتمعية المألوفة للمرأة وخاصة الادوار الاجتماعية والأسرية. ومما يبرهن على الاهمية المعطاة من قبل هذا الجيل من الحركة النسائية لحياة المرأة الاسرية ودورها ، عملها على تحويل 8 مارس المعلن عنه سنة 1911 كيوم عالمي للمرأة الى " اليوم العالمي للمقاومة من اجل السلم وسعادة الاطفال " سنة 1951 م[4]. هذا النوع من المطالب سوف يختفي من قائمة مطالب الجيل الثاني من الحركة النسوية والتي سوف تشكل توجها مختلفا منذ النصف الثاني من القرن الماضي.



الموجة الثانية

عرف النصف الثاني من القرن العشرين تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية واكبتها حركات احتجاجية قطاعية وعامة، وتصاعدت اشكال النضال العمالي والطلابي والنقابي، في هذا السياق السوسيوتاريخي، نشأت حركة نسائية عمت سائر دول العالم، وعرفت تناميا غير مسبوق مع مطلع السبعينات. اتخذت هذه الحركة نزعة راديكالية، وتأثرت بالاحتجاجات الطلابية في فرنسا سنة 1968، وكذا تنامي التيارات الماركسية. ويرتبط اوج هذه الموجة الثانية من الحركة النسائية بصدور كتاب سيمون دي بوفوار[5] سنة 1948 م " الجنس الآخر " ويرجع لهذا الكتاب دور كبير في اذكاء تحركات النساء الاحتجاجية حتى اضحت بمثابة ثقافة مضادة [6]، واصطبغت فيها الحركة بجرأة كبيرة ، وتجاوزت فيها مطالب النساء مطلب المساواة والمشاركة في تدبير الشأن العام، واعتمدت لغة التحرر من القمع السياسي والاجتماعي والجنسي .

وضعت سيمون دي بوفوار في كتابها اسس مفهوم الجندر بعباراتها الشهيرة " لاتولد المرأة إمرأة ولكن المجتمع هو الذي يعلمها ان تكون كذلك" ساعية بذلك الى ابراز الدور الذي تلعبه الثقافات والحضارات في صنع ذلك المنتج الذي هو "أنثى" نافية وجود طبيعة انثوية ما قبلية تسوغ التفرقة بين الجنسين. كما ترى سيمون دي بوفوار ان مقولة النساء متساويات ولكنهن مختلفات عن الرجال، تعيد انتاج صيغ من التمييز ضد النساء شبيهة بقوانين الفصل العنصري ضد الامريكيين من اصول افريقية. ان رؤية دي بوفوار لإشكالية التمييز بين الجنسين كان لها الاثر البارز في هذه المرحلة من النضال النسوي الذي اصطبغ بجرأة غير مسبوقة ، افرز مطالب ذات صبغة جنسانية تناقض تماما مطالب الموجة الاولى من الاحتجاجات النسوية، حيث نادى هذا الجيل من الحركة النسائية بالحق في التحكم في الخصوبة والحق في الاجهاض، وطالب بحرية المرأة الجنسية وحرية التصرف في جسدها رفضا لكل الاعتبارات التي من شأنها تكريس النظرة الدونية للمرأة ، ورأى هذا التيار ان التمييز بين المرأة والرجل يتبلور بشكل اساسي في العلاقات الجنسية بينهما ، وبالتالي ينبغي اجتثاث الجدر وخلق علاقات مثلية يكون فيها الطرفان متساويين . بل ذهب ابعد من ذلك بالمطالبة بالقضاء على الادوار الثابتة التي يقوم بها الرجل والمرأة في عملية الانجاب، ومن تم فان منع الحمل والتعقيم والإجهاض كلها وسائل تساعد في تقليل التمييز البيولوجي للحد من التمييز في السلطة [7]. وانقسمت الحركة النسوية في هذه الموجة الى ثلاث تيارات [8]:

-         النسوية الماركسية

-         النسوية الليبرالية

-         التيار الراديكالي

لقد اتسمت هذه الموجة من المطالب بالتوجه الراديكالي المتسم بالتصعيد العنيف الذي اعتبر ثورة عارمة ضد الانوثة والأمومة. 


الموجة الثالثة:

هذا التصعيد العنيف الذي اثارته الحركات الاصولية النسائية خلال سبعينيات القرن الماضي، سيدفع بالعديد من الحركات النسائية الى تجديد أطروحاتها ومقارباتها لتبني قضايا أكثر نضجا. هذه المراجعات التي افرزت توجهات ما يصطلح بتيار نسوية ما بعد الحداثة او الموجة الثالثة، وتتميز هذه الموجة بالإيمان بالتعدد والابتعاد عن الايديولوجية وكسر الاحتكار من قبل اي كان. ومن اهم نقاط الخلاف مع الموجات السابقة هو ميل هذا التيار الى الشك في العملية الايديولوجية التي تضع الرجل والمرأة في فئتين منفصلتين ومتناقضتين، وكذا التحرر من نسخ تجارب الاخرين.    


لقد بدأت جذور الموجة الثالثة في منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، حينما دعت الناشطات النسويات [9] الى شخصية جديدة للنسوية ، فالتحرر ليس استنساخا لتجارب الاخرين بل هو ايجاد طرق خاصة اصيلة ونابعة من ظروف وقناعات كل مجتمع . وتهدف هذه الموجة الى معالجة صور الخلل الاقتصادي والعنصري الى جانب قضايا المرأة. وطرحت مسألة الوعي بالذات والتي تتفاوت من مجتمع الى اخر، وبالتالي المطالبة بفرص متساوية في القيم الثقافية والاجتماعية للوصول الى المساواة في الواقع، فرغم التنصيص قانونيا على المساواة في الغرب، إلا ان النساء لازلن في أدني سلم المشاركة في الشأن العام، فالنسويات الجديدات يحاولن الربط بين المطالب المتعلقة بالنوع ونقد العولمة الليبرالية، وكذا الابتعاد عن كل ما من شأنه العودة الى العنف في العلاقات الانسانية لان المرأة ستكون اولى ضحاياه. ان ارتفاع نسبة الوعي وانتشار التعليم هو الخطوة الاولى لناشطات الموجة الثالثة في سبيل التغيير المنشود ، وتربط بين استكمال تحرر النساء وتغيير العالم، على اعتبار ان "المرأة والطبيعة وشعوب العالم الثالث " يتقاسمون القهر والظلم من سلطة الرجل الابيض المركزية [10].


رغم سعي الموجة الثالثة في معالجة صور الخلل الاقتصادي والعنصري، وكذا اثارة الاهتمام الى قضايا حساسة كالتعدد والاختلاف والخصوصية، إلا انها لم تستطع تحقيق الشهرة الواسعة والتأييد الحماسي الذي تحقق للموجة الثانية في اوجها.

 


المراجع:

                        [1]  - نادية ليلى عيساوي: تيارات الحركة النسائية ومذاهبها، الحوار المتمدن، العدد: 85. ل 2002/03/9

                          [2]  - سارة غامبل: النسوية وما بعد النسوية، ترجمة احمد الشامي، الطبعة الاولى 2002. المجلس الاعلى للثقافة، مصر. ص .227.

                            [3]  - تعتبر هبرتن اكلار Hubertine Auclert. اول من قام بإحياء مصطلح النسوية feminisme سنة 1881 وتمنحه معاني المطالبة بحقوق النساء وقد ظهر المصطلح لأول مرة عند " ألكسندر دوما " سنة 1872 م ولم يحمل هذه المعاني الا بعد 9 سنوات:

                            Christine Guinnet ,Eric Neveu, «Féminins-Masculins »sociologie de genre , Armand Colin , Paris 2004,p : 16.

                              [4]  - عائشة التائب: النوع وعلم اجتماع المؤسسة، منشورات منظمة المرأة العربية ،2011. الصفحات 89-90-91.

                                [5] - سيمون-إرنستين، لوسي ماري برتراند دي بوفوار، تدعى سيمون دي بوفوار (باريس, 1908 - 1986) كاتبة ومفكرة فرنسية، ، وناشطة سياسية، ونسوية إضافة إلى أنها منظرة اجتماعية. لها تأثير ملحوظ في النسوية والوجودية النسوية. اشتهرت سيمون دي بوفوار بكتابها "الجنس الآخر" والذي كان عبارة عن تحليل مفصل حول اضطهاد المرأة وبمثابة نص تأسيسي للنسوية المعاصرة.

                                 

                                  [6]  - King Igloir ,Irène Favier : femmes : combat et débat : quel avenir pour le féminisme aujourd huit ,2/11/2005 ; p 9.

                                    [7] - سارة غامبل: النسوية وما بعد النسوية، ترجمة احمد الشامي، الطبعة الاولى 2002. المجلس الاعلى للثقافة، ص.458

                                      [8]  عائشة التائب: النوع وعلم اجتماع العمل والمؤسسة. مرجع سابق، ص.94.

                                        [9]  - تختلف جنسيات ناشطات الموجة الثالثة وان كانت اصول أغلبهن من دول العالم الثالث، ويمكن ذكر بعض الاسماء مثل: فراانسواز دوبون صاحبة كتاب " النسوية اوالموت «؛ روز ماري رادبور رويثر مؤلفة كتاب " امرأة جديدة.. ارض جديدة "؛ بيل اشكروفت، فاندانا شيفا وروبين مورغان. انظر احمد عمرو: " النسوية من الراديكالية حتى الاسلامية، قرا ءة في المتطلقات الفكرية "الامة في معركة تغيير القيم والمفاهيم، التقرير الاستراتيجي الثامن. مجلة البيان بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الانسانية. القاهرة 2011. من الصفحة 146 الى 150.

                                          [10] -احمد عمرو: النسوية من الراديكالية حتى الاسلامية، التقرير الاستراتيجي الثامن الصادر عن مجلة البيان بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الانسانية. القاهرة سنة 2011 مرجع سابق. ص: 147.

                                          تعليقات

                                          الكلمات الدلالية