أ.زهرة سليمان أوشن
الحياء هو انقباض النفس من شئ وتركه حذرا من اللوم فيه نفساني وهو الذي خلقه الله في النفوس كلها كالحياء من كشف العورات إيماني وهو أن يمتنع المؤمن عن فعل المعاصي خوفا من الله تعالى.
قيل
الحياء زينة المؤمن حيث يمنع النفس من التفريط في حق صاحب الحق.
الحياء
خلق رفيع يجعل الإنسان في مراقبة صارمة لنفسه فلا يرضى لها أن تنزلق في مهاوي
الرذيلة ولا أن تدخل في ساحات الشبهات والمؤمن لديه حاسة حياء قوية جدا لذا يتغير
وجهه وتضطرب جوارحه عندما يرى مشهدا تهتك فيه الأستار أو يسمع كلمات نابية تجاوز
صاحبها حدود الأدب فيسارع في خطاه ليخرج من ذلك الفضاء زمانا أو مكانا وكأنه هو
صاحب هاتيك الأفعال المشينة، وهو يحاول أن يداري بحيائه وحشمته كل تلوث في مجتمعه
ويسعى لتصحيح مسار هذا المجتمع ليشع أدبا وحشمة .
والحقيقة
أن للحياء عمق إيماني غائر الجدور ينطلق من عقيدة صافية سامية في فهمنا لاسم الله
الرقيب،ولتجليات أسمائه,, السميع، البصير، العليم، الشهيد، الحسيب.
وصدق
الشاعر حين قال:
وإذا
هممت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى
الشيطان
فاستحي
من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام
يراني
والحياء
هو الاحتشام والوقار وهو خلق من الأخلاق الإسلامية بل هو رأس الأخلاق وتاج المكارم
ومعدودة من شعب الإيمان، قال الله تعالى واصفا إحدى ابنتي شعيب وقد جاءت إلى سيدنا
موسى بطلب من والدها الذي كان يريد مكافأته على روعة صنيعه مع ابنتيه: ( فجآءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي
يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) سورة القصص 25، فركز القرآن على خلق الحياء في هذه
الفتاة الصالحة وصوره في مشهدية جميلة ترقى بالحياء وصاحبته.
وقد
تميز رسولنا الحبيب بهذا الخلق الرفيع فقد كان شديد الحياء بأبي هو وأمي، قال
الصحابي الجليل أبوسعيد الخدري رضي الله عنه: كان النبي أشد حياء من العذراء في
خدرها
وفي
حديث له يربط رسولنا الحبيب بين الإيمان والحياء فيقول: (الإيمان بضع وستون شعبة
والحياء شعبة من الإيمان )، ويجعل الحياء قائدا للخير فيقول: الحياء لا يأتي إلا
بخير
وها هو يوصي رجلا طلب منه وصية فجعل الحياء هو الوصية، فعن سعيد بن زيد –رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك أن تستحي من الله كما يستحي رجلا من صالحي قومك.
وجعل الحياء مانعا لصاحبه
من الوقع في الآثام، فاذا تخلى الإنسان عن الحياء فلن يضيره أن يرتكب ما يشاء فيقول لنا محذرا: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى :
إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري
ويمدح
نساء الإنصارلاتصافهن بالحياء الذي لم يمنعهن من أن يتعلمن أمور دينهن فقال عنهن:
رحم الله نساء الإنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في دينهن.
وللنبي صلى الله عليه وسلم حديث رائع جدا يوضح المفهوم العميق للحياء ومعناه الحقيقي وكيف يرقى بالإنسان ويجعله في محاسبة دائمة لنفسه حتى لا يرى الله منه إلا كل جميل، ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه: ( استحيوا من الله حق الحياء. قال : قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله ، قال : ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الاخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء) .
والحياء
خلق رفعة ورقة وجمال فهو خلق يدل على قوة الاتصال بالله كما أسلفنا وتجليات اسماء
الله الحسنى كمالا وجلالا على الإنسان، وهو أيضا يعكس رقي صاحبه وسموه حين يرفض أن
ينزل منزلة متدنية تجعله في قاع ضحل من الأوساخ، وهوالقائد للتوبة إذا ما تعثر
الإنسان في سيره إلى الله وتنكب عن هداه.
والحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه الحياء من الله ، الحياء من الناس, حياء الإنسان من نفسه وكلما أكتمل إيمان الإنسان علا حياؤه وصار حييا يستحي من الله ويستحي من الناس ويستحي من نفسه فلا يسلك بها إلا مسالك العلو والارتقاء والحياء من الحياة وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء وقلة الحياة من موت القلب والروح وأولى الحياء الحياء من الله، لذا فعلى المرء أن يسقي بذرة الحياء ويغديها بمزيد من الإتصال بالله ليظل قلبه قلبا حيا أهلا لنور الله ومستقرا لكرمه.
يقول عمر
بن الخطاب رضي الله عنه : ( من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه )
وقال
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: لا خير فيمن لا يستحي من الناس
قال
الأصمعي : من كساه ثوب الحياء لم ير الناس عيوبه
وقال
الحسن رضي الله عنه: ( أربع من كن فيه كان كاملا ومن تعلق بواحدة منهن كان من
صالحي قومه دين يرشده وعقل يسنده وحسب يصونه وحياء يقوده)
قال
أحد الحكماء: ورب قبحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
قال
الشاعر:
إذا قل
ماء الوجه قل حياؤه ولاخير في وجه إذا قل ماؤه
حياؤك
فاحفظه عليك وإنما يدل على فعل الكريم حياؤه
ولإبي
تمام الشاعر المعروف أبيات رائعة عن الحياء يقول فيها:
إذا لم تخش عاقبة اليالي ولم تستح فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ولا
الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحياء بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء.
والحياء
يدل على نظافة صاحبه وجماله إذ الستر والاحتشام زينة والأدب وانتقاء طيب الكلام
رفعة والتنزه عن مشاهدة وسماع اللغو والفحش من القول والابتعاد عن النقائص علو
بالنفس وصعود بها في مدارج الكمال.
وإني
أزعم أن من يتأزر ويتدثر برداء الحياء سيكون له وافر الاحترام والتقدير والإجلال
في قلوب الناس جميعا اختلفوا ام اتفقوا معه.
وإني
لأزعم أن حياء المرأة أروع ما فيها يعطيها رقة ووقارا ويكسيها هبة وجلالا ، يرفع
مقامها ويجعلها تحظى بالاحترام والتقدير ، وقد قيل الحياء حسن وفي النساء أحسن .
يقول
الرافعي : ( وأساس الفضيلة في الأنوثة الحياء فيجب أن تعلم الفتاة أن الأنثى متى
خرجت من حيائها وتهجمت أي توقحت أي تبذلت استوى عندها أن تذهب يمينا أو تذهب شمالا
وتهيأت لكل منهما ولإيهما اتفق وصاحبات اليمن في كنف الزوج وظل الأسرة وشرف الحياة
وصاحبات الشمال ما صاحبات الشمال ).
ويقول
أيضا :( إنه الحياء الحياء لا غيره؛ فهل هو إلا وسيلة أعانت بها الطبيعة المرأة
لتسموعلى غريزتها متى وجب أن تسمو، فلا تلقى رجلا إلا وفي دمها حارس لايغفل، وهل
هو إلا سلب جمعته الطبيعة إلى ذلك الإيجاب الذي لو انطلق وحده في نفس المرأة
لاندفعت في التبرج والإغراء وعرض أسرار
أنوتثها في المعرض العام ؟)
وصدق
الرافعي فالحياء يمنع المرأة من الانزلاق في مهاوي الرذيلة ويبعدها عن الانجرار
وراء كل ما لا يليق بها ويلوث سمعتها
وهذه قصة تجسد عفة المرأة وتسلحها بالإيمان
ومراقبتها لربها في السر، فيحكى أن
رجلا نظر إلى إعرابية في البادية في ليلة
مقمرة فانبهر بجمالها وأراد منها وبها سوء، فخافت وارتجفت فقال لها : لا عليك لا
تخافي ماتم إلا أنا وأنت والكواكب، فردت عليه قائلة وأين مكوكبها؟؟؟ فاستحى وعاد
إلى رشده وتاب إلى ربه .
ولعلى
المتابع للواقع اليوم يشهد تراجعا لخلق الحياء وانحسارا في مظاهر الاحتشام في
مجتمعتنا ولعلنا نلخصها فيما يلي من النقاط:-
1- التبرج
واللباس الفاضح لبعض النساء وعدم التحرج من إظهار العورات.
2- المجاهرة
بالمعاصي والذنوب بل وتبريرها وفلسفتها والدعوة إليها وإلبسها لباس المدنية
والحضارة والمبهاة بها.
3-الحديث
العالي ورفع الصوت على الوالدين وكبار السن والتلفظ بالكلام البدئ.
4- التقليل
من شأن أهل الفضل والإصلاح بل والاستهزأ
بهم وإنزالهم عن مقامهم الرفيع.
5-عدم
مرعاة الذوق العام والأعراف الاجتماعية الحسنة وكسر حواجزها بسوء الأفعال
6- قلة
الاحتشام في الحديث ونشر أسرار الناس وبثها وإذاعة الخصوصيات عبر وسائل التوصل
الاجتماعي.
7- متابعة
ومشاهدة المسلسلات والأفلام التي تهدم قيم الحياء والاحتشام وتشيع قيم الميوعة
والعري.
فهل من
عودة للحياء لحياة أرقى لمجتمعاتنا تصلح بها أحوالنا ونسمو به في العالمين؟
اكتب مراجعة عامة