img
img

رؤية بوتين لعالم متغير الأقطاب

img
منصة أفق السياسة

رؤية بوتين لعالم متغير الأقطاب

فاتن الحوسني
  • ماجستير في العلاقات الدولية
  • كاتبة وباحثة في الشؤون الدولية


  • في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، استقال ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم سوفييتي، رسمياً من منصب رئيس الإتحاد السوفييتي
  • في اليوم التالي في 26 ديسمبر اعترف برلمان البلاد، مجلس السوفييت الأعلى، رسميا باستقلال 15 دولة مستقلة جديدة وبالتالي أنهى وجود الإتحاد السوفييتي
  • كانت البداية قوية حاسمة عاصفة جامحة، تنذر بمولد إمبراطورية من طراز مغاير لمثيلاتها فيما سبق من تاريخ المنطقة، فالدولة السوفييتية قامت بعد ثورة قال عنها معاصروها إنها غيرت وجه العالم، وهي ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية في عام 1917، في فترة كانت الحرب العالمية الأولى تلفظ آخر أنفاسها
  • - متى تشكل النظام الدولي؟
  • تشكل النظام الدولي قبل الحرب العالمية الأولى معلنا عن مظهر من مظاهر هذه الحقبة الزمنية ليشهد تعدد القوى والأقطاب المؤثرة في العالم، ومع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية والذي خسرت فيها أوكرانيا حوالي من 5 إلى 8 مليون مدني إضافة إلى 1.4 مليون جندي مقاتل أوكراني تحت مظلة الإمبراطورية السوفييتية كونها أحد مكوناته الأساسية، وبانتهاء هذه الحرب تحول العالم من متعدد الأقطاب إلى ثنائي القطبية ، وببدء الحرب الباردة اتجهت بوصلة الدول إلى قطبي القوى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أولي والإتحاد السوفييتي كقطب ثاني ، ليستمر الحال على هذا دون أن تتوقف البوصلة الا على هذين القطبين حتى أتى العام 1991 ، ليسقط الإتحاد السوفييتي من حسابات البوصلة السياسية نتيجة لتفككه السريع، والتي كانت أوكرانيا إحدى نتائج هذا التفكك، حيث بادر البرلمان الأوكراني في عام 1990 ، وأعلن استقلال الدولة ، ليستقر مؤشر القوى معلنا تحول العالم من ثنائي القطبية إلى أحادي القطبية مشيرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط .
  • لم تستمر حالة التفكك التي مُنيّ الإتحاد السوفييتي طويلا، ليأتي العام 1999 معلنا عن ظهور " فلاديمير بوتين " كرئيس وزراء ثم عام 2000 ليشهد بدء بوتين رئيسا لروسيا الإتحادية، راسماً في مخيلته حلماً كبيرا، وهو إعادة التوازن واسترجاع ما تم فقده سابقا من دول متفككة عن الولاية الروسية الكبيرة، حيث تعتبر روسيا من الدول القلائل التي استطاعت في فترة وجيزة إعادة توازنها الدولي بعد التفكك.

  • إذا رغبنا في فهم شخصية وتصرفات وقرارات الرئيس الروسي، فعلينا فهم كيف ينظر بوتين للعالم كما هو من حوله، حيث يرى " بوتين " وهو الابن البار لجهاز الاستخبارات السوفييتي السابق " كيه جي بي " (KGB)، أن العالم الغربي له زعيم واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤمن بأن واشنطن سواء تحت حكم الجمهوريين او الديمقراطيين، تنظر لروسيا بوصفها خطراً وعدوا لا يمكن تجاهله.  تحكم حسابات بوتين نظرة ثلاثية الأبعاد متكاملة ومترابطة، يبدأ أولها بفكرة توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وامتداده شرقا في اتجاه حدود بلاده، وثانيها توسع وتمدد الإتحاد الأوروبي، وآخرها التبشير بحتمية تحقيق الديمقراطية الليبرالية على النسق الغربي في كل دول القارة الأوروبية
  • من هنا يؤمن بوتين يقينا بأن هدف إسقاط نظام الحكم المركزي القوي في موسكو يبقى المحرك الأساسي لكل السياسات الغربية منذ انتهاء الحرب الباردة في أوائل تسعينات القرن الماضي، ويرى بوتين أن الغرب تجاهل منذ عام 2008، بعد تبنيه سياسية الباب المفتوح لتوسيع حلف الناتو بما يشمل أوكرانيا وجورجيا، كل المخاوف الروسية من وصول الحلف لحدودها القريبة سواء شرقا في أوكرانيا أو جنوبا في جورجيا.

  • يشير الكاتب " ميشيل التشانينوف "، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يستخدم المرجعيات الفلسفية في خطاباته العامة، إلا أنه لا يصنفه كفيلسوف، إذ أن تكوينه العلمي والثقافي هو النمط الشائع في إطار المنظومة السوفييتية السابقة، ف " بوتين " الذي درس القانون في جامعة سان بطرسبرغ الحكومية، يفضل أن يتم تذكره من خلال تاريخه في جهاز الاستخبارات السوفييتية " الكي جيه بي "، كما أنه عادة ما يفضل الأنشطة الجسدية على الكتب والفلسفة.
  • أثرت القيم المجتمعية التي نشأ " بوتين " في كنفها في تكوينه الفكري واتجاهاته السياسية، ولعل أهم هذه القيم قيمة الانتماء الوطني، وكذا الثقافة العسكرية التي ظلت سائدة لعقود داخل الإتحاد السوفييتي السابق، إذا أن التعليم كان يتسم بالطابع العسكري، وكان الأطفال يضطرون لقراءة أدبيات الحرب كإعداد للتضحية بالنفس، وشكلت الخدمة العسكرية واحدة من أهم اللحظات في الحياة السوفييتية
  • إن " بوتين " لم يُخف رغبته في استعادة المكانة الروسية في النظام الدولي، واستحضر أدوات عديدة لتحقيق ذلك ، البعض منها عسكري عبر ضمان السيطرة على مناطق النفوذ الحيوي لموسكو، والبعض الآخر وثيق الصلة بما يعرف بالنموذج الروسي، والذي ينطوي على قيم الوطنية والمسيحية الأرثوذكسية، ليعطي بذلك " بوتين " أهمية للمواقع المقدسة الأرثوذكسية الروسية، وصاغ شكلا مختلفا للديمقراطية ، حيث باتت الديمقراطية الروسية تعني " قوة الشعب الروسي بتقاليده الخاصة للحكم الذاتي وليس الوفاء بالمعايير المفروضة على روسيا من الخارج " .
  • ختاماً ...  
  • إن السياسية الواقعية التي يتبناها " فلاديمير بوتين " ستظل المحدد الأهم للسياسة الروسية في ظل طموحاته باستعادة الدور القيادي لموسكو، والرد على ما يعتبره إهانات تاريخية تعرضت لها دولته من الدول الغربية.

  • وهنا يستحضرني بعض من أقوال " فلاديمير بوتين:
  • " أي شخص لا يأسف لرحيل الاتحاد السوفييتي لا يوجد لديه قلب ، أي شخص يريد عودة الاتحاد السوفييتي ليس لديه عقل "
  • " لا أحد ولا شيء يمنع روسيا من الاستمرار على طريق تعزيز الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان والحريات ".
  •  

تعليقات