img
img

الرد العسكري على إسرائيل : هل من جدوى ؟!

img
منصة أفق السياسة

الرد العسكري على إسرائيل : هل من جدوى ؟!

أ. عبد الله عبدون

كاتب سياسي سوري


لا تزال الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية تتكرر دون انقطاع، في ظل صمت دولي مطبق، وعجز إقليمي واضح، وواقع داخلي بالغ التعقيد. وبين كل ضربة وضربة، ترتفع الأصوات المنادية بالرد، وتتزايد الدعوات لإطلاق الصواريخ، وكأنّ الكرامة لا تُصان إلا بالبارود، وكأنّ إطلاق النار بحدّ ذاته كفيل بتغيير المعادلات. لكن السياسة، كما التاريخ، لا تُدار بالعواطف، ولا تُبنى القرارات الكبرى على الغضب وحده. بل تقوم على موازين القوى، وحسابات الربح والخسارة، ومعرفة العدو أكثر مما يعرف هو عن نفسه. والسؤال هنا ليس: هل تملك الدولة السورية القدرة على الرد؟ بل: ما الجدوى من هذا الرد؟ وماذا ستكون نتائجه في ظل ميزان القوى

القائم؟ من الناحية العسكرية، تملك سوريا وسائل يمكن استخدامها لضرب أهداف داخل الأراضي المحتلة، سواء عبر الصواريخ أو المسيّرات. لكنّ النتيجة شبه محسومة: منظومات الدفاع الإسرائيلية ستعترض القسم الأكبر من الهجمات، ولن يكون للأثر سوى الطابع الإعلامي، وربما المعنوي، دون أن يمسّ البنية العسكرية أو السياسية للعدو. بل الأسوأ من ذلك، أن مثل هذا الرد قد يكون فرصة ذهبية لتل أبيب لتوسيع عملياتها، واستهداف مواقع حساسة في عمق الأراضي السورية، وربما التسبب بموجات تهجير جديدة أو فوضى داخلية تخدم أجنداتها. في ظل هذا الواقع، لا يكون الرد العسكري الحكيم هو ما يُشعل النار، بل ما يُربك الحسابات، ويُغيّر التوازنات، ويُربك العدو في عمقه السياسي والأمني ... إن المعارك المصيرية لا تُخاض كردود أفعال، بل تُبنى بتأنٍ، على مراحل، وبخطط طويلة النفس. وما لم يكن الرد جزءاً من مشروع شامل يهدف إلى استعادة المبادرة، فإن ضرره قد يفوق نفعه. الآية الكريمة: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدوّ الله وعدوّكم"، لم تأمر بالإقدام الفوري، بل بالحشد والإعداد والتخطيط. فالقوة الحقيقية لا تُقاس بعدد القذائف، بل بقدرتك على توظيف هذه القوة في الوقت والمكان والطريقة التي تخدم مصلحتك العليا. الخلاصة أن الحكمة في هذا الظرف العصيب ليست في الرد كيفما اتفق، بل في امتلاك الإرادة والقدرة على اختيار اللحظة المناسبة، والساحة المناسبة، والوسيلة المناسبة، لردٍّ تكون كلفته على العدو أكبر من احتماله، وعلى الوطن أقل من طاقته ...

تعليقات